التشريعات الرقابية والاستقرار المالي

أبرزت الأزمة المالية العالمية الأخيرة في عام 2008 أهمية سلامة القطاع المصرفي والتقييم المستمر لمخاطره الأمر الذي ينعكس إيجاباً على الإستقرار المالي والإقتصادي، حيث يلعب القطاع المصرفي دوراً أساسياً في الإقتصاد والمتمثل بتوفير السيولة والإحتياجات التمويلية لتمويل الأنشطة الإقتصادية المختلفة بما يُعزز من النمو الاقتصادي. كانت المراكز المالية لعدد كبير من البنوك بداية الأزمة، مستقرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن تعثر بنك ليمان براذرز أدى إلى انهيار البنوك الأخرى واحداً تلو الآخر بسبب مخاطر العدوى، بل وتعدى ذلك حدود الولايات المتحدة الأمريكية بحيث وضعت النظام المالي العالمي برمته في مخاطر، الأمر الذي كبّد اقتصادات الدول خسائر باهظة لسنوات عديدة، عزز ذلك قناعة السلطات الإشرافية أن استقرار كل من النظامين المالي والإقتصادي لا يتحقق إلا إذا تم أخذ المخاطر المالية والإقتصادية (جنباً إلى جنب) بالإعتبار عند إتخاذ القرارات في السياسات الإقتصادية والإحترازية.

 

تبرز أهمية القطاع المصرفي في الدول العربية، من خلال دوره الحيوي المتمثل في رفد الإقتصاد الوطني بالسيولة اللازمة للأنشطة الإقتصادية المختلفة، ويُعتبر القطاع المصرفي في الدول العربية أهم مكون للنظام المالي، إذ بلغ متوسط حجم موجودات القطاع المصرفي إلى إجمالي موجودات القطاع المالي في الدول العربية في نهاية عام 2020 حوالي 94 في المائة. إضافةً لذلك، يُعد القطاع المصرفي في الدول العربية كبير الحجم إذا ما قورن بالناتج المحلي الإجمالي، فقد بلغ حجم موجودات هذا القطاع مقوماً بالدولار في نهاية عام 2020 حوالي 3.8 ترليون دولار مشكلاً ما نسبته 142 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمجموع الدول العربية، الأمر الذي يوضح أهمية تعزيز متانة هذا القطاع وبما ينعكس إيجابياً على الإستقرار الإقتصادي والمالي في الدول العربية، خصوصاً أن هذا القطاع واجه العديد من التحديات والمخاطر التي أفرزتها الأوضاع والمتغيرات الإقليمية والعالمية، التي ألقت بظلالها على القطاع المصرفي، وولدت ضغوطات على السيولة لديها، وزيادة في مخاطر الإئتمان والتشغيل والسوق. على سبيل المثال، شكلت جائحة كوفيد 19 تحدياً أمام الاستقرار المالي، فرض نفسه على المصارف المركزية التي اجتهدت في المحافظة على تحقيق التوازن بشكل مدروس وبأكبر قدر ممكن، في إطار سعيها لتعزيز الاستقرار المالي. فمن جهة، تسعى المصارف المركزية إلى إتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية القطاع المالي، ومن جهة أخرى، تقوم بإتخاذ كافة السبل لحماية قطاع الأفراد والشركات، لا سيما منها متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. بالرغم من حدة أثر أزمة فيروس كورونا، ونتيجة لجهود المصارف المركزية العربية، وتبني معظم الدول العربية متطلبات بازل III والمعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9، حققت مؤشرات المتانة المالية لدى القطاع المصرفي العربي نتائج جيدة، القطاع المصرفي في الدول العربية مرن وقادر على إستيعاب الصدمات المالية بشكل عام، فبالرغم من التحديات والمخاطر التي تعرض لها القطاع المصرفي في الدول العربية جراء أزمة فيروس كورونا المستجد، إلا أن مؤشرات المتانة المالية أظهرت أن القطاع بمراكز مالية قوية ومستقرة مكنته من تحمل صدمة جائحة كوفيد 19 والتحديات الأخرى، فقد تميّز القطاع المصرفي في الدول العربية بملاءة مالية مرتفعة أعلى من تلك المستهدفة دولياً حسب معيار بازل البالغة 10.5 في المائة، الأمر الذي يُشير إلى تمتع القطاع المصرفي العربي بملاءة عالية ويعزز من قدرته على استيعاب أية خسائر محتملة. كما حافظ القطاع المصرفي في الدول العربية على مستويات جيدة من مخصصات القروض بسبب قيام العديد من الدول العربية بتطبيق المعيار الدولي لإعداد التقارير المالية (IFRS9)، الذي أدى إلى تعزيز متانة وملاءة البنوك والتحوط للصدمات المحتملة وتحسين نوعية موجودات هذا القطاع. 

في هذا الإطار، أطلق صندوق النقد العربي هذه المبادرة بهدف دعم الجهود الكبيرة التي بذلتها المصارف المركزية في تعزيز مرونة القطاع المصرفي من خلال توفير منظومة تشريعات تواكب أفضل الممارسات الدولية ووفق أفضل المعايير الدولية، حيث إن مواصلة تحديث منظومة التشريعات وتوفير البنية التحتية المناسبة للنظام المالي وفق قواعد العمل المصرفي السليم ستؤدي إلى تعزيز قدرة القطاع المصرفي العربي على إستيعاب الصدمات المالية بشكل عام، وقد دأبت معظم المصارف المركزية في الدول العربية إلى تطبيق متطلبات بازل III والمعيار الدولي للتقارير المالية رقم (9)، مما سينعكس إيجاباً على مؤشرات المتانة المالية للقطاع المصرفي وسيعزز من متانة وملاءة البنوك والتحوط للصدمات المحتملة ويحسن نوعية موجودات هذا القطاع.