مع إدراك أهمية القطاع المصرفي في مكونات القطاع المالي في الدول العربية، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية القطاعات المالية غير المصرفية الأخرى، حيث يُعتبر القطاع المالي غير المصرفي شريكاً للقطاع المصرفي في تعزيز النمو الإقتصادي والإستقرار المالي في الدول العربية. كما يلعب هذا القطاع دوراً استراتيجياً في تعزيز الشمول المالي، بما يدعم الإستقرار المالي والإقتصادي. فعلى سبيل المثال، يُسهم قطاع التأمين في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي والتنمية بصفة عامة بما يوفره من حماية لممتلكات الأفراد والمؤسسات والمحافظة على الثروة الوطنية. كما تلعب مؤسسات مالية أخرى غير مصرفية دوراً متزايد الأهمية في تعزيز الشمول المالي مثل: مؤسسات التمويل الأصغر، وشركات التأجير التمويلي، وشركات تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وشركات التمويل الجماعي. إذ تقوم هذه المؤسسات بتوسيع فرص الوصول للتمويل والخدمات المالية عن طريق منح الإئتمان للفئات التي تواجه تحديات في الوصول إلى التمويل المصرفي.
كدرس مُستفاد من الأزمة المالية العالمية في عام 2008، برزت الحاجة إلى تنظيم كافة مؤسسات القطاع المالي غير المصرفي وخصوصاً شركات التمويل بكافة أنواعها (بما في ذلك صيرفة الظل Shadow Banking). فغياب البيانات اللازمة حول القطاع وعدم توفر المتابعة والرقابة الكافية عليه، قد يترتب عنه نشوء فقاعات أصول ومخاطر نظامية تؤثر سلباً على الإستقرار المالي. وعليه، من الأهمية بمكان، قيام السلطات الرقابية بدراسة واقع هذا القطاع وتعريف نشاطه وتحدياته بشكل دقيق مع التركيز على توفير بيانات دقيقة تمكن من متابعة القطاع، وذلك للوقوف على حجمه ومخاطره. كما يتطلب الأمر تنسيقاً أكبر بين مختلف السلطات الإشرافية والرقابية على القطاع المالي والمصرفي. في هذا السياق، إن أساليب الرقابة على القطاع المالي غير المصرفي قد تختلف من دولة عربية إلى أخرى (مثل باقي دول العالم)، فبعض الدول أوكلت مهام الرقابة على معظم مؤسسات القطاع المالي غير المصرفي إلى البنك المركزي، في حين أن بعض الدول لديها هيئات رقابية متعددة على القطاع، مع وجود تنسيق فيما بينها، حيث إن التنسيق بين السلطات الرقابية والإشرافية أساس لنجاح قياس المخاطر الناشئة عن القطاع المالي غير المصرفي بشكل فعّال، على أن تتوفر لدى الجهة الرقابية القدرة والصلاحية والأدوات المناسبة لمعالجة مخاطر القطاع بما يعزز من الإستقرار المالي.
إنطلاقاً مما تقدم، وفي إطار حرص صندوق النقد العربي على مواكبة دوله الأعضاء في مجال الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية الهادفة إلى تعزيز الإستقرار المالي في المنطقة العربية، ولتعزيز الإهتمام بالقطاع المالي غير المصرفي في الدول العربية، ودوره في الشمول المالي والتنمية الإقتصادية، وحماية القطاع من المخاطر التي قد يتعرض لها، أطلق صندوق النقد العربي هذه المبادرة بهدف تعزيز دور المصارف المركزية العربية في تقييم مخاطر المؤسسات المالية غير المصرفية، وذلك بالتعاون مع الجهات الرسمية المعنية، والإهتمام بوضع تعريف دقيق على مستوى الدولة لمؤسسات القطاع المالي غير المصرفي التي يُفترض أن تخضع لإشرافه، والقيام بدراسة معمقة حول واقع القطاع في الدولة، للوقوف على حجمه وطبيعته والتحديات التي تواجهه.