توقع نمو الاقتصادات العربية بنسبة 2.9 في المائة عام 2021، وارتفاع وتيرة النمو إلى 3.6 في المائة عام 2022 مع استفادة الدول العربية من تواصل حملات التلقيح، وتعافي الطلب الكلي واستمرار دعم السياسات
مسارات متباينة لتعافي الاقتصادات العربية من جائحة كوفيد-19 في ظل التوقعات بتعافي إحدى عشرة دولة عربية بنهاية عام 2022، وامتداد مسار التعافي إلى ما بعد عام 2022 في بقية الدول العربية
توقع بقاء معدل التضخم في الدول العربية عند مستويات مرتفعة نسبياً تقدر بنحو 11 في المائة في عام 2021 بفعل تعافي النشاط الاقتصادي وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتراجعه إلى نحو 6 في المائة في عام 2022
الحكومات العربية مدعوة لتبني برامج شاملة للإصلاح الاقتصادي والمالي لمعالجة الاختلالات الاقتصادية وتعزيز المرونة والمنعة الاقتصادية
في إطار الجهود التي يبذلها صندوق النقد العربي لدعم متخذي القرار في الدول العربية، أطلق الصندوق الإصدار الرابع عشر من تقرير "آفاق الاقتصاد العربي"، الذي يتضمن تحديثاً للبيئة الاقتصادية الدولية وانعكاساتها على الدول العربية، وتوقعات النمو الاقتصادي والتضخم في الدول العربية خلال عامي 2021 و2022.
أشار التقرير إلى أن الاقتصاد العالمي شهد خلال النصف الثاني من عام 2020 بداية التعافي من التداعيات الناتجة عن جائحة كوفيد-19 لاسيما في ظل تسارع عمليات إنتاج اللقاحات وبدء حملات تلقيح السكان في مختلف دول العالم. بناء عليه، رفعت المؤسسات الدولية تقديراتها لمستويات النمو الاقتصادي المتوقع خلال عام 2021 إلى ما يتراوح بين 5.4 و6 في المائة وسط مسارات متباينة للتعافي الاقتصادي تقودها بعض الاقتصادات الكبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وعدد من الاقتصادات الصاعدة الأخرى التي من المتوقع نموها بما يتراوح بين 6.2 و8.4 في المائة، في حين تشهد الدول النامية تعافياً بطيئاً وهشاً.
رغم ذلك لا تزال المسارات المستقبلية للتعافي الاقتصادي يشوبها قدر كبير من عدم اليقين يتعلق في المقام الأول بمسار الجائحة خصوصاً بعد ظهور سلالات جديدة من الفيروس في بعض مناطق العالم. إضافة إلى ذلك، هناك قدر كبير من عدم اليقين حول مسار النمو الأساسي في أعقاب عام 2021، لاسيما عندما تقوم الحكومات بالسحب التدريجي لحزم السياسات التحفيزية، وربما تجلي تأثير عدد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية سواءً تلك التي كان الاقتصاد العالمي يعاني منها قبل الجائحة أو تلك التي تعمقت بفعل الجائحة.
فيما يتعلق بأسواق النفط الدولية، تشير التقديرات إلى أنه من المتوقع ارتفاع الطلب على النفط بنحو 6 مليون برميل في اليوم خلال عام 2021 بما يدعم التعافي المرتقب للأنشطة الاقتصادية وهو ما سيعمل إلى جانب استمرار العمل باتفاق "أوبك+" على زيادة أسعار النفط في الأسواق الدولية.
تتمثل أبرز المخاطر التي تحيط بموجة التعافي الحالية في تلك المتعلقة باحتمالات استمرارية الوباء فترةً أطول من المتوقع مع ما قد يحمله ذلك من مخاطر استنفاذ العديد من الدول لحيز السياسات المُتاح لدعم التعافي، علاوة على مخاطر التعافي الهش وغير المتكافئ وما قد ينتج عنه من تعمق لمستويات التفاوت وأوجه عدم المساواة على المستوى العالمي.
بناءً عليه، تبدو أهمية التركيز على السياسات التي تساعد على استدامة التعافي الاقتصادي، ودعم مستويات الثقة، وتقوية المرونة الاقتصادية تجاه الصدمات الاقتصادية المحتملة، ومعالجة الاختلالات التي تعيق التحرك باتجاه النمو الشامل والمستدام والمتوازن، مع ما يتطلبه ذلك من القضاء على أوجه عدم المساواة وإتاحة الفرص للجميع وتسريع وتيرة التحول التقني، ودفع متجدد باتجاه الإصلاحات التي تعزز الإنتاجية والتنافسية لا سيما فيما يتعلق بالدول النامية واقتصادات السوق الناشئة.
توقع التقرير تعافي الاقتصادات العربية بداية من عام 2021 من تداعيات جائحة كوفيد-19 مستفيدةً من تواصل عمليات التلقيح عالمياً وإقليمياً، ومن تعافي الطلب الكلي، وتحسن مستويات الثقة، وتعافي أسواق النفط العالمية، ومن تواصل وتيرة الإصلاح الاقتصادي لتجاوز الاختلالات الهيكلية وتعزيز الانضباط المالي والاستدامة المالية. إضافة إلى ما سبق، ستستفيد الاقتصادات العربية كذلك خلال أفق التوقع من تواصل السياسات التيسيرية المحفزة للنمو والتشغيل ومن حزم الدعم المالي المُقدمة لاسيما من قبل الدول العربية التي يتوفر لديها حيز مالي والتي تم مد العمل ببعضها خلال عام 2021 بهدف التخفيف من تبعات الجائحة على الأسر والشركات. بالتالي ارتفع إجمالي حزم التحفيز المُتبناة من قبل الدول العربية منذ بداية الجائحة وحتى شهر يوليو من عام 2021 إلى نحو 344 مليار دولار، تشكل من بينها إجراءات الدعم المقدمة من قبل تدخلات السياسة النقدية نحو 57 في المائة، فيما بلغت قيمة حزم التحفيز المقدمة من قبل أدوات السياسة المالية 43 في المائة من إجمالي قيمة هذه الحزم.
استناداً إلى ما سبق، من المتوقع نمو الاقتصادات العربية بنسبة تقارب 2.9 في المائة في عام 2021، فيما يتوقع ارتفاع معدل النمو إلى 3.6 في المائة في عام 2022 مع تواصل تعافي الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية ونجاح حملات التلقيح إقليمياً وعالمياً. في هذا الإطار، من المتوقع نمو اقتصادات مجموعة الدول العربية المُصدرة للنفط بنحو 2.8 في المائة في العام الجاري، وارتفاع معدل نمو دول المجموعة إلى 3.5 في المائة في العام المقبل في ظل التحسن النسبي في كميات الإنتاج النفطي وأسعاره في الأسواق الدولية، والتعافي الجزئي للنشاط الاقتصادي في القطاعات غير النفطية. أما مجموعة الدول العربية المستوردة للنفط، فمن المتوقع تسجيلها لنمو بحدود 2.9 في المائة في العام الجاري، ومواصلة معدل نمو دول المجموعة الارتفاع إلى مستوى 3.8 في المائة في العام المقبل، بفعل عدد من العوامل يأتي على رأسها تحسن الطلب الخارجي لاسيما لدى الشركاء الرئيسين لدول المجموعة، ومضي دول المجموعة قدماً في تنفيذ العديد من الإصلاحات الضرورية لاحتواء الاختلالات الداخلية والخارجية.
على مستوى الدول العربية فرادى تتباين مستويات التعافي خلال أفق التوقع. فبخلاف الاقتصاد المصري الذي لم يسجل انكماشاً العام الماضي، من المتوقع تعافي أربع دول عربية من تداعيات جائحة كوفيد-19 في عام 2021، فيما يتوقع تعافي سبع اقتصادات عربية من تداعيات الجائحة في عام 2022، في حين من المرجح امتداد أجل التعافي من الأزمة في الدول عربية الأخرى إلى ما بعد عام 2022.
في ضوء ما سبق، تتمثل أبرز الأولويات على صعيد السياسات في الحاجة إلى تبني برامج شاملة للإصلاح الاقتصادي تعالج التحديات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل التي تواجه الدول العربية وفق رؤى مدروسة مرتبطة بالاستراتيجيات المستقبلية لهذه الدول وبما يضمن تحقيق التنمية المستدامة والنمو المتوازن والشامل والمستدام. كما يتعين أيضاً العمل على احتواء الاختلالات الهيكلية الداخلية والخارجية بهدف توجيه الموارد الاقتصادية إلى دعم النمو الاقتصادي. كما تبرز أهمية العمل على دعم رأس المال البشري في المنطقة العربية بما يساعد على زيادة مستويات الإنتاجية والتنافسية ومواكبة التطورات في أسواق العمل المحلية والإقليمية والدولية وخفض معدلات البطالة التي تسجل أعلى مستوياتها في المنطقة العربية.
فيما يتعلق بتوقعات اتجاهات الأسعار المحلية، من المتوقع أن يتأثر المستوى العام للأسعار بالدول العربية كمجموعة خلال عامي 2021 و2022 بتواصل الآثار الناتجة عن تفشي جائحة كوفيد-19 وتأثيراتها المباشرة على سلاسل الإنتاج والتوزيع، وكذلك بالارتفاعات المُسجلة في الأسعار العالمية للمواد الغذائية الأساسية والمواد الأولية بشكل خاص النفط، إضافة إلى أثر الإجراءات الصحية المُتبناة على النشاط الاقتصادي ومستويات العرض والطلب. علاوة على ما سبق من المتوقع أن يساهم التخفيف التدريجي للقيود والانتعاش التدريجي للنشاط الاقتصادي وزيادة الأجور في زيادة مستويات الطلب في بعض الدول العربية، وهو ما قد يولد ضغوطاً تضخمية.
إضافة إلى توقع تأثر المستوى العام للأسعار بأثر التقلبات المناخية على المحاصيل الزراعية في بعض الدول العربية، الأمر الذي سيوثر على حجم المعروض من السلع الغذائية ومن ثم أسعارها في الأسواق المحلية. كما يتوقع أن يتأثر المستوى العام للأسعار بالتحديات التي يتعرض لها سعر صرف العملة المحلية في بعض الدول كنتيجة لتراجع المتحصلات من النقد الأجنبي. في ضوء التطورات السابقة، من المتوقع بقاء معدل التضخم في الدول العربية عند مستوى مرتفع نسبياً خلال عام 2021 يبلغ نحو 11 في المائة، بينما يتوقع تراجع معدل التضخم خلال عام 2022 ليصل إلى نحو 6.0 في المائة.