حرص عدد من الدول العربية على تصميم خيارات السياسة الضريبية بما يدعم المؤسسات متناهية الصغيرة والصغيرة والمتوسطة ويعمل على تبسيط وخفض تكلفة الامتثال الضريبي
في إطار الجهود التي يبذلها صندوق النقد العربي على صعيد الأنشطة البحثية لدعم متخذي القرار في البلدان العربية في الموضوعات ذات الأولوية، أعد الصندوق دراسة بعنوان "خيارات السياسات الضريبية لدعم المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ". اهتمت الدراسة بإلقاء الضوء على الأطر الضريبية الخاصة بالمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وأشارت إلى تعدد أهداف الدول من تبني هذه الأطر. فمنها ما يتعلق برغبة الدولة في زيادة مستويات الحصيلة الضريبية في ضوء الأهمية النسبية الكبيرة لعدد هذه المؤسسات ومساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي والتشغيل، ومنها ما يرتبط بحرص الدولة على إضفاء الصبغة الرسمية على التعاملات الاقتصادية ودمج أنشطة القطاع غير الرسمي في المنظومة الرسمية.
أشارت الدراسة إلى تباين وجهات النظر فيما يتعلق بجدوى وجود نظام ضريبي منفصل للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. ففي حين يرى البعض أن هذا النظام يمثل أحد دعائم البيئة المواتية لمثل هذه المشروعات، يرى البعض الآخر أن هذا النظام لا يجد ما يبرره من منظور الكفاءة في توزيع الموارد الاقتصادية، سواءً في ضوء محدودية الدلائل التي تفيد بدور هذه النظم الضريبية التحفيزية في زيادة مستويات المساهمة الاقتصادية لهذه المشروعات، أو في ضوء اعتبارات محدودية الموارد المالية والبشرية لدى السلطات الضريبية، بما يفرض عليها تخصيص الجانب الأهم من هذه الموارد لمتابعة مستويات الامتثال والسداد الضريبي لدى كبار الممولين، مقارنة بمثيلاتها لدى المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي تتطلب موارد يصعب توفيرها في ضوء العدد الكبير للممولين من هذا القطاع.
كذلك أوضحت الدراسة أنه رغم تباين الآراء فيما يتعلق بجدوى وجود نظم ضريبية خاصة بالمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، إلا أن الإرتفاع الكبير لتكلفة امتثال هذه المؤسسات للنظم الضريبية يفرض على السلطات الضريبية بشكل عام ضرورة توجيه الإهتمام في المقابل إلى تبني كافة التدابير التي من شأنها تبسيط وتخفيض تكلفة امتثال هذه المشروعات للنظام الضريبي.
تطرقت الدراسة كذلك إلى تجارب بعض الدول العربية فيما يتعلق بالأطر الضريبية للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بما يشمل كل من: الأردن، والإمارات، والبحرين، والسعودية، والكويت ومصر، والمغرب، وأشارت إلى حرص السلطات الضريبية في هذه الدول على تصميم خيارات السياسات الضريبية بما يدعم هذه المؤسسات من خلال فرض معدلات ضريبية منخفضة على هذه الشركات، وتبسيط إجراءات امتثالها لهذه النظم الضريبية، ومنحها العديد من الإعفاءات الضريبية، إلى جانب حرص السلطات على القيام بعدد من الأنشطة التي تستهدف زيادة مستويات الوعي والامتثال الضريبي.
لا تزال تجارب الدول العربية في هذا الإطار حديثة إلى حد ما بالقياس بالتجارب الدولية وهو ما يُعزى إلى عدد من الأسباب، من بينها حداثة تطبيق الأطر الضريبية في بعض الدول العربية لاسيما النفطية منها (الإمارات، والبحرين، والسعودية، والكويت)، أو إلى حداثة وجود القوانين التي تنظم عمل قطاع المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في دول عربية أخرى، مثل مصر على سبيل المثال.
تخضع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول المُشار إليها بالأساس إلى ضريبة القيمة المُضافة، فيما تخضع إضافة إلى ذلك إلى الضريبة على دخل الشركات في السعودية، وإلى الضريبة على الدخل الشخصي ودخل الشركات في الأردن ومصر، وتخضع في المغرب للثلاث أنواع من الضرائب، ولكن وفق معايير تستهدف خفض العبء الضريبي على هذه المؤسسات. يتضح من تجارب الدول المُشار إليها عدم لجوء أي من الدول المتضمنة في الدراسة إلى تطبيق نظام الضريبة الموحدة على هذه المؤسسات والتي تجمع ما بين كل أنواع الضرائب المطبقة في الدولة في ضريبة واحدة ذات معدل ضريبي منخفض.
أشارت الدراسة إلى ارتفاع مستويات الامتثال الضريبي لمؤسسات القطاع في عدد من الدول العربية مثل البحرين والأردن، لكن بشكل عام لا تزال هناك حاجة بالنسبة للعديد من الدول العربية إلى زيادة مستويات تبسيط وكفاءة النظم الضريبية، لا سيما من خلال التحول الرقمي بما يسمح بزيادة معدلات الامتثال ليس فقط بالنسبة للمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة وإنما كذلك بالنسبة لكبار الممولين.
كما أوضحت الدراسة بحسب ما هو متوفر من إحصاءات إلى أهمية رفع مستوى مساهمة المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من مجمل الإيرادات الضريبية، حيث لا تتعد هذه النسبة 35 في المائة من مجمل الإيرادات في الدول المشمولة في الدراسة، وهو ما يلقي الضوء على أهمية مراجعة السياسات الضريبية تجاه هذه المؤسسات لزيادة مستويات الامتثال والتحصيل الضريبي، وكذلك تذليل كافة العقبات التي تواجهها في هذا الإطار. كذلك أهمية تبني سياسات وطنية تستهدف دمج المؤسسات العاملة في القطاع غير الرسمي في المنظومة الرسمية بهدف تحسين مستويات الإنتاجية والتنافسية والامتثال الضريبي.
في ضوء ما سبق، خلصت الدراسة إلى بعض التوصيات على مستوى الدول العربية بما يشمل:
- تركيز السياسة الضريبية على تحديد معدل الضريبة المناسب فرضها على هذا القطاع، وتطوير نظام مبسط وسريع لتحصيل هذه الضرائب في الوقت المناسب بما يحول دون نمو اقتصاد الظل.
- ضرورة تصميم خيارات السياسة الضريبية المفروضة على القطاع بما يتناسب مع عمر هذه المؤسسات وحجمها. ففي المراحل الأولى من عمرها تتطلب رؤوس أموال لبدء النشاط وتستغرق فترة حتى تحقق أرباحاً يمكن فرض ضرائب عليها. بالتالي، من الضروري إعفاء هذه المشروعات في بداية تأسيسها من الضرائب ومن ثم ومع نمو أعمال هذه المؤسسات يتم إخضاعها للضرائب بما يتلاءم مع حجم أعمالها وعدد العاملين بها.
- الموائمة والتوازن المطلوب ما بين دمج مؤسسات القطاع في المنظومة الضريبية، وبين أغراض دفع النمو الاقتصادي والإنتاجية والتنافسية. فعلى سبيل المثال يمكن تبني حوافز ضريبية تشجع هذه المؤسسات على توجيه المزيد من أرباحها لأغراض إعادة الإستثمار أو أنشطة البحث، والتطوير، والتأهيل، والعمالة.
- تعزيز تبني بيئة تنظيمية مستقرة وواضحة وشفافة، يمكن التنبؤ بها لمساعدة مؤسسات القطاع على الإلتزام الضريبي.
- دراسة مدى إمكانية اللجوء إلى نظم الضريبة الموحدة (Combined Tax System) من خلال تبني أنظمة ضريبية مبسطة تستند إلى رقم الأعمال، يتم في إطارها دمج عدد من الضرائب المفروضة على هذه المؤسسات (ضريبة دخل الشركات، ضريبة الدخل الشخصي، مساهمات الضمان الاجتماعي) في وعاء ضريبي واحد بما يساعد في تقليل تكلفة التحصيل الضريبي، أي عدم تكبد تكاليف إدارية عالية جداً لتحصيل مبالغ صغيرة من الضرائب من الآلاف أو الملايين من مؤسسات الأعمال الصغيرة جداً.
- التكامل ما بين نظم التسجيل التجاري والنظم الضريبية بما يساعد على تقليل تكاليف المعلومات والامتثال.
- تبني العديد من الحوافز الكفيلة بزيادة مستويات الإمتثال الطوعي للنظم الضريبية لمؤسسات القطاع من خلال خفض دورية الإمتثال إلى دورية سنوية أو نصف سنوية، والسماح لهذه المؤسسات بإمساك دفاتر مالية مبسطة وتقسيط المستحقات الضريبية.
- العمل على تبني برامج لبناء القدرات الضريبية في المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لتمكين هذه المؤسسات من الوفاء بالمتطلبات الضريبية المطلوبة منها ومن بينها الإمساك بدفاتر مالية منتظمة وإجراءات امتثال محددة.
- الإستفادة من الفرص الهائلة التي يوفرها التحول الرقمي في الإدارة الضريبية لزيادة مستويات الإمتثال، فمن شأن الإيداع الإلكتروني للإقرارات الضريبية تسريع الإجراءات وتقليل تكاليف الإمتثال. كما يُمكن التعويل على التذكيرات الدورية المرسلة عبر الهاتف المحمول لدفع الضرائب وتسريع إجراءات دفع وإسترداد الضريبة في زيادة الحصيلة الضريبية من مؤسسات القطاع.
- التركيز على إزالة كافة التحديات التي تحول دون دمج مؤسسات القطاع في منظومة الضرائب من خلال زيادة مستويات وعي الممولين من هذه الفئة بالمزايا التي تعود عليهم جراء الإنضمام للمنظومة الرسمية، من حيث توفير خدمات الضمان الاجتماعي للعاملين وخضوعهم لنظام ضريبي مبسط وبمعدل ميسر.
النسخة الكاملة من الدراسة متاحة على الرابط