يسهم قطاع التمويل الأصغر بشقيه التقليدي والمتوافق مع الشريعة في تحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية كتقليل نسب الفقر وزيادة الشمول المالي وتمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة.
على الرغم من أن الدول العربية تعتبر رائدة الصناعة المالية الإسلامية على مستوى العالم، إلا ن قطاع التمويل الأصغر المتوافق مع الشريعة ما يزال بحاجة لبذل المزيد من الجهد ليواكب زخم الإصلاحات الاقتصادية والمالية في الدول العربية.
تبذل الجهات الإشرافية على قطاع التمويل الأصغر في الدول العربية جهوداً حثيثة لتشجيع عمل مؤسسات التمويل الأصغر وتعزيز وصولها لأكبر نسبة من فئات المجتمع.
في إطار الجهود التي يبذلها صندوق النقد العربي على صعيد نشاط الدراسات والبحوث بهدف دعم جهود السلطات في الدول العربية في قضايا السياسات الاقتصادية والمالية ذات الأولوية، أصدر الصندوق في إطار أنشطة "مبادرة الشمول المالي للمنطقة العربية" دراسة حول "دوافع التمويل الأصغر المتوافق مع الشريعة في الدول العربية". تهدف الدراسة إلى التعرف على العناصر التي تشترك فيها أسس التمويل المتوافق مع الشريعة مع التمويل الأصغر، وكيف يمكن الاستفادة من تلك الأسس في خدمة وتفعيل قطاع التمويل الأصغر في الدول العربية.
بحسب الدراسة، فإن هناك حاجة لانفتاح التمويل المتوافق مع الشريعة بشكل أوسع على قطاع التمويل الأصغر، حيث تشير بعض التجارب الرائدة إلى أن تفعيل دور قطاع التمويل الأصغر يمكن أن يكون ركنا مهماً ضمن استراتيجيات تقليل الفقر والبطالة وتحسين نسب الشمول المالي، وهي كلها غايات تعتبر من صميم أهداف وغايات ومبادئ التمويل المتوافق مع الشريعة القائمة على العدالة في الوصول للموارد والتوازن بين مكونات المجتمع وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ومع الزخم الذي اكتسبته الصناعة المالية المتوافقة مع الشريعة خلال العقدين الأخيرين وبشكل خاص خلال وبعد الأزمة المالية العالمية، وانتشارها في الكثير من دول العالم، وتوسع تطبيقاتها (بنوك، تأمين، أسواق مال)، واكتسابها للمرونة والمتانة، فهي تعتبر مهيأة لتلبية حاجيات التمويل الأصغر، وتحقيق أهداف الشمول المالي وتقليل دائرة الفقر من خلال الوصول لمحدودي الدخل وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.
استعرضت الدراسة بعض التجارب الرائدة في مجال التمويل الأصغر المتوافق مع الشريعة، ووضحت عوامل نجاحها وأهم ما حققته من إنجازات، حيث يساعد التعرف على التجارب العالمية الرائدة في تقديم رؤى لصانعي السياسات ومتخذي القرار في الدول العربية. ومع أن التمويل الأصغر المتوافق مع الشريعة ينتشر في دول كثيرة، إلا أن الملاحظ هو أن دول جنوب شرق آسيا قد قطعت أشواطاً كبيرة في تفعيل هذا القطاع وجعله جزءاً من سياساتها التنموية، ومورداً هاماً من موارد تمويل المشاريع الصغيرة للطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل.
أظهرت النتائج أن التمويل الأصغر المتوافق مع الشريعة أصبح يحظى في السنوات الأخيرة بالإهتمام المتزايد لدى السلطات الإشرافية في الدول العربية وذلك في سياق سياسات تعزيز الشمول المالي، لما تمثله هذه الخدمات من نافذة مهمة يمكن من خلالها توسيع فرص الوصول للتمويل. هذا ولتعزيز دور مؤسسات التمويل الأصغر بصورة عامة، ومؤسسات التمويل الأصغر المتوافق مع الشريعة بصورة خاصة، في تحقيق أهداف الشمول المالي، لا بد من الاهتمام بتطوير الأطر التشريعية والرقابية عليها بما يعزز الاستقرار المالي، من خلال استقطاب فئات كبيرة من المجتمع للتعامل مع القطاع المالي الرسمي.
في الختام، أوصت الدراسة بمواصلة إجراء المزيد من الدراسات الاستقصائية، المبنية على أحدث الإحصاءات المتوفرة في الدول العربية لإدراك الفرص التي تتيحها عمليات التمويل الأصغر المتوافقة مع الشريعة، في تعزيز وصول الأسر ورواد الأعمال والمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة للنظام المالي الرسمي. كما أوصت بأهمية تسريع وتيرة تطوير البنية التحتية والتشريعية والرقابية لمؤسسات التمويل الأصغر المتوافق مع الشريعة بكافة أشكالها، لتمكينها من القيام بدورها على أكمل وجه بما يعزز من الشمول المالي والاستقرار المالي.