الضغوط التضخمية حدّت من التوجهات والخيارات المتاحة أمام البنوك المركزية حول العالم
يقدر أن تحقق الاقتصادات العربية معدل نمو بنحو 3.4 و4.0 في المائة في عامي 2023 و2024 على التوالي، فيما يقدر أن يصل معدل التضخم إلى نحو 6.8 في المائة و 6.3 في المائة خلال هذين العامين
ارتفاع مؤشرات المتانة المالية للقطاع المصرفي في الدول العربية: 17.4 في المائة متوسط نسبة كفاية رأس المال للمصارف العربية، ونسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير المنتظمة للمصارف العربية تخطت 90 في المائة في نهاية عام 2022
هناك حاجة للتقييم المستمر لمخاطر ارتفاع أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية، وعلى قيمة الأصول السائلة عالية الجودة للقطاع المصرفي وانعكاس ذلك على متطلبات كفاية رأس المال والسيولة
10.7 في المائة معدل البطالة في المنطقة العربية، و785.3 مليار دولار حجم الدين العام للدول العربية المقترضة
أصدر الصندوق عدد من الأدلة والمبادئ الإرشادية لمساعدة الدول العربية على تبني السياسات المناسبة
منصة "بنى" للمدفوعات تحظى بقبول دولي لما تقدمه من خدمات متميزة
ألقى معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كلمة في افتتاح أعمال اجتماع الدورة السابعة والأربعين لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، الذي عقد هذا العام بمدينة الجزائر بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية تحت الرعاية الكريمة لفخامة الرئيس عبدالمجيد تبون رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، بحضور معالي الوزير الأول أيمن عبد الرحمان. شارك في الاجتماع أصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، إلى جانب كبار المسؤولين من مؤسسات مالية دولية وبنوك مركزية عالمية.
بيّن معالي الدكتور الحميدي، أن الضغوط التضخمية التي تجتاح اقتصادات العالم، حدّت من التوجهات والخيارات المتاحة أمام البنوك المركزية حول العالم، في الوقت الذي لا تزال تكافح لتحقيق الاستقرار المالي، ودعم النمو الاقتصادي المتأثر من تداعيات جائحة كورونا. أشار معاليه أنه وفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي، ستحقق الاقتصادات العربية نمواً بنحو 3.4 و4.0 في المائة في عامي 2023 و2024 على الترتيب، في حين يقدر أن تسجل الدول العربية كمجموعة مستوى تضخم خلال عامي 2023 و2024 يبلغ حوالي 6.8 في المائة و6.3 في المائة، على التوالي، في ظل استمرار التطورات الدولية الراهنة.
من جانب آخر، أشاد معالي الدكتور الحميدي بجهود المصارف المركزية العربية في ضبط أوضاع القطاع المالي والمصرفي وتعزيز سلامته وتطوير التشريعات والسياسات والإجراءات الاحترازية، مشيراً إلى ارتفاع مؤشرات المتانة المالية للقطاع المصرفي في الدول العربية في عام 2022. فعلى صعيد كفاية رأس المال، بلغ متوسط النسبة في المنطقة العربية حوالي 17.4 في المائة في نهاية عام 2022، الأمر الذي يُشير إلى تمتع القطاع المصرفي العربي بملاءة عالية بما يعزز من قدرته على استيعاب الخسائر المحتملة، فيما وصلت نسبة الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول لهذا القطاع نحو 35.3 في المائة. كما وصلت نسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير المنتظمة للمصارف العربية نحو 90.2 في المائة في نهاية عام 2022.
أوضح معاليه أن هذه المؤشرات الجيدة، تعكس الجهود التي قامت وتقوم بها المصارف المركزية العربية لتعزيز متانة وسلامة مؤشرات أداء القطاع المصرفي، وتطوير التشريعات والسياسات والإجراءات الاحترازية، وتطبيق أفضل المعايير والممارسات الدولية، لا سيما متطلبات بازل III والمعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9. وفي المقابل، هناك حاجة للتقييم المستمر لمخاطر إستمرار ارتفاع أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية، وعلى قيمة الأصول السائلة عالية الجودة التي بحوزة القطاع المصرفي، وإنعكاسات ذلك الإرتفاع على متطلبات كفاية رأس المال والسيولة.
بيّن معالي الدكتور الحميدي أن الدول العربية تواجه تحديات اقتصادية تستلزم بذل الكثير من الجهد والتحرك نحو تبني سياسات تساعد في دعم متطلبات تحقيق النمو الاقتصادي المنشود وبلوغ مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق طموحات الشعوب.
أشار معاليه إلى أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الدول العربية في هذه المرحلة، والتي تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم، ومعدل البطالة الذي سجل نحو 10.7 في المائة، وهو يعادل ضعف المعدل العالمي، إلى جانب التحدي المتعلق بتزايد معدلات المديونية في ظل الارتفاع الذي شهدته مستويات الدين العام في ظل التطورات الدولية الراهنة، مبيّناً وصول قيمة الدين العام إلى نحو 785.3 مليار دولار بما يمثل نحو 98 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة.
من جانب آخر، أكد معاليه على أهمية قيام صانعي السياسات في الدول العربية بجهود لاحتواء مسارات الدين العام وتعزيز تحركه في مستويات قابلة للاستدامة، إلى جانب تعزيز قدرة الاقتصادات العربية على زيادة مستويات المرونة الاقتصادية لمواجهة أية صدمات اقتصادية محتملة، من خلال مواصلة الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية.
كما أكد معاليه على ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى تطوير القطاع المالي، وأسواق المال في الدول العربية، وتعزيز الشمول المالي بما يعزز فرص الوصول للتمويل لمختلف الأنشطة الاقتصادية، وكذلك الوصول للخدمات المالية لجميع فئات المجتمع لاسيما الشباب، وتحفيز إنشاء المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، مشيداً في هذا السياق بالتقدم المستمر الحاصل في مبادرة الشمول المالي للمنطقة العربية، ومشيراً للأنشطة والفعاليات التي نفذتها المبادرة خلال عام 2022، مشيداً كذلك بتعاون المصارف المركزية العربية، وجمعيات واتحادات المصارف في الدول العربية في إحياء فعاليات اليوم العربي للشمول المالي، بتاريخ 27 أبريل 2023، تحت شعار "تعزيز الشمول المالي لدعم جهود مواجهة تداعيات تغيرات المناخ".
نوّه معالي الدكتور الحميدي بالجهود الكبيرة التي تقوم بها اللجان وفرق العمل المنبثقة عن مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية في تناول المواضيع والقضايا ذات الأهمية والمستجدات والتطورات ذات العلاقة بأولويات المصارف المركزية العربية، بما يعزز من فرص تبادل الخبرات والتجارب ونقل المعرفة. كما أشاد معاليه بالتقدم الملحوظ في الإصدار السادس من تقرير الاستقرار المالي في الدول العربية لعام 2023، وما تضمنه من فصول جديدة.
من جانب آخر، أكد معالي المدير العام رئيس مجلس الإدارة على قيام الصندوق بتبني نهج استباقي في إطار تدخلات تتسم بالمرونة والسرعة لتنفيذ مجموعة من الأنشطة الداعمة للبلدان الأعضاء لمواجهة التحديات الراهنة وتداعياتها، مبيناً قيام الصندوق بمضاعفة وتيرة إنجازه للأنشطة المخططة، ولحجم قروضه المقدمة لدعم الاقتصادات العربية، وقيامه بتنفيذ العديد من الأنشطة لمساندة دوله الأعضاء.
في نفس الإطار، أشار معالي الدكتور الحميدي، إلى مواصلة الصندوق تقديم برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي، وتوسيع نطاق المبادرات التي تصبّ في تحقيق الأهداف الإستراتيجيّة وتعزيزها بأنشطة مستجدة، وتواصله المستمر وتوسيع نطاق اللقاءات التشاورية وتبادل التجارب والخبرات مع الدول العربية، إلى جانب تعزيز التعاون مع الشركاء من المنظمات الإقليمية والدولية خاصة في مجال تقديم المشورة والمعونة الفنية، إضافة إلى إصدار مبادئ إرشادية، هدفت إلى مساعدة الدول العربية على تبني السياسات والإجراءات الفعّالة لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي.
في سياق آخر، أشار معالي الدكتور الحميدي إلى ما تحظى به منصة "بنى" للمدفوعات من قبول دولي لما تمثله من نموذجاً للتوافق مع توجهات مجموعة العشرين لتعزيز كفاءة وسلامة معاملات الدفع والتحويل عبر الحدود بما يخدم أغراض تعزيز التدفقات المالية ودعم النزاهة والاستقرار المالي، مشيداً بتعاون المصارف المركزية العربية.
في الختام، جدد معالي الدكتور الحميدي امتنانه للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية رئيساً وحكومة وشعباً، ولسعادة صالح الدين طالب محافظ بنك الجزائر على تعاونه وزملاءه في البنك في التحضير للاجتماع وتوفير مستلزمات نجاحه.
كما ثمّن معاليه دعم أصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية للصندوق ولأنشطة المجلس.
النسخة الكاملة من الكلمة:
معالي أيمن عبدالرحمان، الوزير الأول في الحكومة الجزائرية،
سعادة صالح الدين طالب، محافظ بنك الجزائر، رئيس الدورة الحالية للمجلس،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
أسعد الله صباحكم بكل خير،
يُشرفني ويسرني كثيراً أن أتحدث إلى جمعكم الكريم بمناسبة انعقاد الاجتماع السنوي للدورة السابعة والأربعين لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية. أود في البداية أن أتقدم بخالص الشكر والامتنان لهذا البلد الكريم المضياف الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، رئيساً وحكومةً وشعباً على استضافة هذا الملتقى العربي الاقتصادي والمالي والمصرفي الهام. كما أعرب عن خالص الامتنان والعرفان والتقدير لفخامة الرئيس عبدالمجيد تبون – رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية على التكرم برعاية الاجتماع. ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أتقدم بوافر التقدير والامتنان لمعالي أيمن عبد الرحمان الوزير الأول في الحكومة الجزائرية على تكرمه بافتتاح اجتماعنا وعلى دعمه المتواصل للمؤسسات المالية العربية. والشكر موصول لسعادة الأخ صالح الدين طالب محافظ بنك الجزائر، على مبادرته الكريمة في الدعوة إلى استضافة الاجتماع وعلى مساهماته الجليلة في أعمال المجلس، والشكر كذلك لزميلاته وزملائه في بنك الجزائر على تعاونهم وجهودهم المقدرة في الإعداد والتنظيم، والذي من المؤكد سيساهم في نجاح هذا اللقاء.
حضرات الأخوات والأخوة،
تشير التوقعات طبقاً لتقارير المؤسسات المالية الدولية أن الاقتصاد العالمي سيحقق معدل نمو نحو 3.0 في المائة في كل من عامي 2023 و2024 على التوالي، بعد أن كانت تلك التقديرات متفائلة نسبياً في بداية العام نحو 3.5 بالمائة و4.4 في المائة على التوالي، مقابل معدل نمو بلغ 3.5 في المائة عن العام الماضي 2022. ويعكس هذا الخفض حالة عدم اليقين التي ما فتأت تسود العالم، لا سيما في ظل الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة نتيجة لارتفاع معدلات التضخم، التي يقدر بلوغها نحو 6.8 في المائة و5.2 في المائة على التوالي عن عامي 2023 و2024 مقارنة بمعدل 8.7 في المائة عن عام 2022، إضافة إلى تراكم المديونية للقطاعين العام والخاص، وتذبذب أسعار السلع الأساسية، وغيرها من الظواهر التي برزت خلال الأعوام الثلاث الماضية نتيجة لتطورات دولية لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي.
في خضم هذه المتغيرات، لا يخفى عليكم أن ضعف النمو الاقتصادي العالمي، والأوضاع النقدية المتشددة، والمديونية المرتفعة، قد أثرت على بيئة الأعمال، وإرتفاع حالات إعسار الشركات. بالتالي فهناك حاجة إلى جهود دولية إضافية منسقة للتخفيف من مخاطر احتمال وقوع الاقتصاد العالمي في حالة ركود وأزمة ديون في الأسواق الناشئة والبلدان النامية.
وكما تعلمون معاليكم أن الضغوط التضخمية التي ما انفكت تجتاح اقتصادات العالم قد قلصت من التوجهات والخيارات المتاحة أمام البنوك المركزية حول العالم، في الوقت الذي لا تزال تكافح لتحقيق الاستقرار المالي، ودعم النمو الاقتصادي الذي تصدع كثيراً نتيجةَ لتداعيات جائحة كورونا. حيث اضطرت البنوك المركزية في ظل بيئة تضخم مرتفع إلى تبني سياسات نقدية انكماشية في الوقت الذي لا يزال التعافي الاقتصادي هشاً يعتمد على التحفيز النقدي في ظل عدم قدرة الحكومات، خاصة في الدول النامية، على مواصلة الدعم باستخدام أدوات السياسة المالية، لما لذلك من انعكاسات على الانضباط والاستدامة الماليين.
إن رفع أسعار الفائدة بشكل تدريجي على أدوات السياسة النقدية يعد أمراً طبيعياً ومتوقعاً لمعالجة التضخم المرتفع، سيما أن أسعار الفائدة كانت منخفضةً أصلاً إبان فترة الجائحة، بيد أن استمرار الآثار السلبية للتضخم يتطلب نظرةً شموليةً أوسع للسياسات التي تحقق المعادلة الجدلية، أحد طرفيها هو حفز النمو الاقتصادي، أما الطرف الآخر فهو الحد من التضخم والمحافظة على سلامة واستقرار القطاع المالي. هنا يأتي الدور المأمول للمصارف المركزية بإتباع سياسة نقدية حصيفة مع وجود تنسيق مع السياسة المالية والسياسة الاحترازية الكلية واعتماد برامج حكومية لدعم القطاعات الاقتصادية المختلفة، بوصفها وسيلة مهمة للمحافظة على التوازن الاقتصادي العام.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
لعل من المناسب الإشادة -في هذا السياق- بجهود المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية في ضبط أوضاع القطاع المالي والمصرفي وتعزيز سلامته، حيث كشفت مؤشرات السلامة المالية للدول العربية أن مستويات كفاية رأس المال والسيولة مرتفعة في القطاع المصرفي العربي وأعلى من الحدود الدنيا لمقررات بازل (III)، حيث بلغ متوسط نسبة كفاية رأس المال نحو 17.4 في المائة مع نهاية عام 2022، فيما وصلت نسبة الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول لهذا القطاع نحو 35.3 في المائة في نهاية الفترة نفسها. كذلك أضيف، أن نسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير المنتظمة للمصارف العربية بلغت نحو 90.2 في المائة في نهاية عام 2022، في حين وصل معدل العائد على حقوق المساهمين 12.84 في المائة. تعكس هذه المؤشرات الجيدة، الجهود التي قامت وتقوم بها المصارف المركزية العربية لتعزيز متانة وسلامة مؤشرات أداء القطاع المصرفي، وتطوير التشريعات والسياسات والإجراءات الاحترازية، وتطبيق أفضل المعايير والممارسات الدولية، لا سيما متطلبات بازل III والمعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9. وفي المقابل، هناك حاجة للتقييم المستمر لمخاطر إستمرار ارتفاع أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية، وعلى قيمة الأصول السائلة عالية الجودة التي بحوزة القطاع المصرفي، وإنعكاسات ذلك الإرتفاع على متطلبات كفاية رأس المال والسيولة.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
في مثل هذه الأوقات التي يمر بها الاقتصاد العالمي والتي تتميز بحالة عدم اليقين، من المهم أن نتابع الآثار المترتبة عن تلك التطورات وتأثيرها المحتمل على مستوى المعيشة في دولنا العربية. كرد فعل على الضغوط التضخمية، بدأت المصارف المركزية في تشديد السياسة النقدية من خلال رفع أسعار الفائدة وخفض شراء الأصول. بيد أنه لوحظ أن هذه السياسة تنطوي على مخاطر محتملة، مثل تباطؤ النمو الاقتصادي والتأثير على الاستقرار المالي. وعندما نعايش مثل هذه التغيرات المتسارعة، من الضروري أن نبقى على إطلاع وإدراك لكيفية تأثيرها على اقتصادات دولنا العربية، وعلى النشاط الاقتصادي، والقطاع المالي.
وفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي، من المتوقع أن يبلغ معدل نمو الاقتصادات العربية في عام 2023 نحو 3.4 في المائة، مقابل معدل 5.6 في المائة ُسجل في عام 2022، متأثراً بالتطورات الاقتصادية العالمية، وما نجم عنها من تشديد في السياسات النقدية، وبدء ظهور بوادر تراجع النشاط الاقتصادي العالمي. فيما يتوقع تحسن نمو الإقتصادات العربية في عام 2024 ليبلغ نحو 4.0 في المائة بما يتواكب مع البدء بتخفيف السياسات النقدية مع توقع السيطرة على التضخم قبل نهاية عام 2023، علاوة على الأثر الإيجابي لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي بإطار الرؤى والاستراتيجيات المستقبلية التي تستهدف تعزيز مستويات التنويع الاقتصادي، وإصلاح بيئات الأعمال، وتشجيع دور القطاع الخاص، ودعم رأس المال البشري، وزيادة مستويات المرونة الاقتصادية في مواجهة الصدمات.
وكما تعلمون معاليكم تأثرت معظم الدول العربية بالضغوط التضخمية العالمية نتيجة للعديد من العوامل، ووفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي، يتوقع أن يتراجع معدل التضخم في الدول العربية كمجموعة خلال عامي 2023 و2024 ليبلغ حوالي 6.8 في المائة و 6.3 في المائة، على التوالي، مقابل 7.6 في المائة في عام 2022، ذلك في ظل استمرار التطورات الدولية الراهنة التي قد تؤدي إلى تواصل ارتفاع مستوى الأسعار في أسواق السلع الأساسية. ولا يخفى عليكم أن عدد من الدول العربية ذات مستويات الاكتفاء الذاتي الأقل، تأثرت بشكل أكبر من الموجة التضخمية العالمية الحالية، مما يلقي بظلاله على تحديات الأمن الغذائي.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
تواجه الدول العربية كغيرها من الدول الأخرى في هذه المرحلة، تحديات اقتصادية تستلزم بذل الكثير من الجهد والتحرك نحو تبني سياسات تساعد في دعم متطلبات تحقيق النمو الاقتصادي المنشود وبلوغ مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق طموحات الشعوب.
لعل من أبرز هذه التحديات ارتفاع معدلات البطالة في المنطقة العربية، حيث بلغت نحو 10.7 في المائة في عام 2022 ما يمثل ضعف المعدل العالمي وفقاً لبيانات البنك الدولي، علماً وأن معدلات البطالة لدى الشباب في الدول العربية تبلغ في المتوسط 26.7 في المائة وهي نسبة مرتفعة أيضاً إذا ما قورنت بـنسبة 15.6 في المائة على المستوى العالمي.
من جانب آخر، يعتبر تزايد معدلات المديونية من بين أبرز التحديات التي تواجه اقتصادات الدول العربية في ظل التطورات الدولية الراهنة، لتصل إلى نحو 785.3 مليار دولار أمريكي للدول العربية المقترضة، ما يمثل نحو 98 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول العربية في نهاية عام 2022. ومن الطبيعي أن تخفي هذه النسبة تفاوت كبير بين الدول العربية. كما لا يقتصر التحدي على الاحجام المطلقة للديون الخارجية العربية، بل في مؤشراتها خاصة نسبة خدمة الديون إلى الصادرات من السلع والخدمات. من هنا، تبرز أهمية احتواء مسارات الدين العام وتعزيز تحركه في مستويات قابلة للاستدامة، خاصة في ظل الضغوطات التي فرضتها التطورات الدولية الراهنة على أوضاع المالية العامة في الدول العربية، حيث يستلزم الأمر من قبل صانعي السياسات في الدول العربية التحرك باتجاه مسارات أكثر استدامة للدين العام.
علاوة على ما سبق، تظهر الحاجة الملحة إلى تعزيز قدرة الاقتصادات العربية على زيادة مستويات المرونة الاقتصادية لمواجهة أية صدمات اقتصادية محتملة، من خلال مواصلة الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية التي أصبحت ضرورية. فالهياكل الاقتصادية لبعض الدول العربية بحاجة لأن تشهد إصلاحات هيكلية، تتبنى خططاً واستراتيجيات وطنية لزيادة التنويع الاقتصادي، وإعادة الاعتبار لقطاعات اقتصادية رئيسة مثل قطاعي الزراعة والصناعات التحويلية، والعمل على زيادة قدرة هذين القطاعين في دعم الناتج المحلي الإجمالي والتشغيل، وتحديث السياسات المتعلقة بالقطاع الزراعي، بهدف زيادة مستويات الإنتاج من السلع الزراعية بما يحقق الأمن الغذائي لاسيما من خلال تعزيز قدرة الدول العربية على المشاركة في سلاسل القيمة الغذائية الزراعية، للتقليل من مخاطر تعرضها لأية صدمات طارئة.
من جانب آخر، تلعب الإصلاحات المؤسسية دوراً هاماً وأساسياً في المرحلة الراهنة على صعيد تطوير بيئة الأعمال في الدول العربية، لتمكين القطاع الخاص بما فيه المنشآت الصغيرة والمتوسطة من القيام بدوره الرئيس في التشغيل والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المنشود. حيث لا تزال مؤشرات بيئة الأعمال في عدد من الدول العربية تواجه تحديات. فمثلاً، القيام بإجراءات التصدير في الدول العربية يستغرق في المتوسط أكثر من ثلاثة أيام، مقابل 4.3 ساعة فقط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ما يتطلب من الجهات المعنية في الدول العربية إجراء الإصلاحات التشريعية الهادفة إلى زيادة مستويات الإنتاجية، وتطوير مناخ الأعمال، وتسهيل استخراج التراخيص، وتخفيض الوقت والتكلفة اللازمة لممارسة الأعمال التجارية، بهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
لا يقل أهمية عما سبق ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى تطوير القطاع المالي، وأسواق المال في الدول العربية، وتعزيز الشمول المالي بما يعزز فرص الوصول للتمويل لمختلف الأنشطة الاقتصادية، وكذلك الوصول لجميع فئات المجتمع لاسيما الشباب، وتحفيز إنشاء المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، بما يساهم في تطوير الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي خلق فرص عمل مستدامة، وينعكس إيجاباً على تخفيف حدة الفقر ومكافحة البطالة، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
في هذا السياق، أود أن أشيد بالتقدم المستمر الحاصل في مبادرة الشمول المالي للمنطقة العربية، حيث نفذت المبادرة خلال عام 2022 سلسلة من برامج بناء القدرات، ونظمت العديد من المؤتمرات رفيعة المستوى، ومنتديات التعلم وتطوير الأساليب والأدوات، إضافةً للمنتجات المعرفية. كان هناك تركيزاً على قضايا تعزيز الوعي والمعرفة بالشمول المالي، ومنصات التمويل الجماعي، والتأمين الأخضر والمستدام في المنطقة العربية، إلى جانب دور صناديق وآليات ضمان القروض في دعم استدامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية.
ولعلها مناسبة أن أشيد بتعاون المصارف المركزية العربية، وجمعيات واتحادات المصارف في الدول العربية في إحياء فعاليات اليوم العربي للشمول المالي، بتاريخ 27 أبريل 2023، تحت شعار "تعزيز الشمول المالي لدعم جهود مواجهة تداعيات تغيرات المناخ". أبرزت الأنشطة في الدول العربية أهمية تعزيز التمويل المسؤول والمسؤولية المجتمعية للمؤسسات المالية والمصرفية لخدمة التنمية المستدامة، حيث تسعى المصارف المركزية العربية إلى تطوير الأطر التي تساعد على اعتماد وتطبيق هذه المعايير من قبل المؤسسات المالية والمصرفية لديها وحثها على تطوير خدمات ومنتجات تعزز المسؤولية المجتمعية والبيئية. من جانبه يكثف صندوق النقد العربي جهوده في توفير المشورة والمعونة الفنية وإصدار الدراسات والتقارير والأدلة الإرشادية، للمساهمة في تناول المواضيع ذات الأولوية، خاصة على صعيد تعزيز التمويل المسؤول والمسؤولية المجتمعية في الدول العربية. ونتطلع لفعاليات العام القادم، التي ستركز على تشجيع الإدخار لتعزيز الشمول المالي.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
اسمحوا لي في هذه المناسبة أن أثمن الجهود الكبيرة التي تقوم بها اللجان وفرق العمل المنبثقة عن مجلسكم الموقر في ظل توجيهاتكم الكريمة في تناول المواضيع والقضايا ذات الأهمية والمستجدات والتطورات ذات العلاقة بأولويات المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، بما يعزز من فرص تبادل الخبرات والتجارب ونقل المعرفة. كما تلاحظون من واقع وثائق إجتماع المجلس الموقر لهذا العام، نوعية وتنوع المواضيع والأوراق والتقارير الهامة التي أعدتها اللجان والفرق، عكست متطلبات دعم الاستقرار المالي والارتقاء بالبنية التحتية المالية والتحضير لمرحلة التعافي ودعم التحول المالي الرقمي، ودور ومسؤوليات المصارف المركزية في هذا الإطار. لقد حظيت اجتماعات اللجان والفرق بمشاركة واسعة من المؤسسات والأطر المالية والمصرفية الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها لجان بنك التسويات الدولية ومجلس الاستقرار المالي وصندوق النقد والبنك الدوليين وعدد من البنوك المركزية العالمية.
كما لا بد هنا أن أشيد بالتقدم الملحوظ في الإصدار السادس من تقرير الاستقرار المالي في الدول العربية لعام 2023 وهو ثمرة توجيهاتكم الكريمة وتعاون المعنيين لدى المصارف المركزية العربية. تضمن التقرير، إضافة للفصول الاعتيادية حول التطورات الاقتصادية ذات الأثر على الاستقرار المالي، وتحليل مخاطر القطاع المالي ومخاطر القطاع المالي غير المصرفي، عدد من الفصول النوعية الجديدة تتناول: مخاطر مديونية القطاع الحكومي على الاستقرار المالي في الدول العربية، ومخاطر التطورات الراهنة والضغوط التضخمية على الإستقرار المالي، والتطورات الحاصلة في التقنيات المالية الحديثة والعملات المشفرة والرقمية مع التطرق إلى الإجراءات المتخذة بخصوص تعزيز الأمن السيبراني والحد من التهديدات الإلكترونية وآثارها على الإستقرار المالي.
يذكر أن مؤشر الاستقرار المالي التجميعي لصندوق النقد العربي الذي يتم احتسابه بالتعاون مع فريق عمل الاستقرار المالي، ارتفع ليصل إلى حوالي 0.591 نقطة في نهاية عام 2022 مقابل 0.526 نقطة بنهاية عام 2021، بسبب تحسن معظم المؤشرات المصرفية والمالية والاقتصادية نتيجةً للجهود التي بذلتها الدول العربية في دعم التعافي الإقتصادي بعد تداعيات جائحة كورونا، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على الاستقرار المالي.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
يواصل صندوق النقد العربي عمله الدؤوب في إطار خطته الإستراتيجية الخمسية (2020-2025) لبلورة رؤيته 2040 في أن يكون الشريك الأقرب لدوله الأعضاء لتحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي والمالي. تميزت هذه الاستراتيجية بالبعد الاستشرافي لطبيعة التحولات الإقليمية والعالمية وانعكاساتها المتوقعة على الاقتصادات العربية، بالتالي الدور المأمول للصندوق لدعم جهود دوله الأعضاء في التعاطي مع تلك التحولات، من خلال تقديم مجموعة متكاملة من الأنشطة والفعاليات والمبادرات. في هذا الإطار، حقق الصندوق منذ بداية إستراتيجيته الحالية وحتى نهاية شهر يونيو الماضي نسبة من الأداء التراكمي قُدرت بنحو 52 في المائة.
في هذا السياق، يرصد الصندوق التغيرات الاقتصادية وغير الاقتصادية التي يشهدها العالم وما تحملها بين طياتها من تحديات أمام الاقتصادات العربية، لعل من أبرزها ارتفاع معدلات التضخم، وتحديات مرتبطة بالأمن الغذائي، وتراجع تدفقات رأس المال للعديد من الأسواق الناشئة من ضمنها الأسواق العربية، وارتفاع الديون. في هذا الصدد، قام الصندوق بتبني نهج استباقي في إطار تدخلات تتسم بالمرونة والسرعة لتنفيذ مجموعة من الأنشطة الداعمة للبلدان الأعضاء لمواجهة تلك المتغيرات وتداعياتها لاسيما على الصعيدين الاقتصادي والمالي. فقد عمل الصندوق على مضاعفة وتيرة إنجازه للأنشطة المخططة، ولحجم قروضه المقدمة لدعم الاقتصادات العربية، وقام بتنفيذ العديد من الأنشطة لمساندة الدول الأعضاء للتخفيف من التداعيات التي ترتبت على الأزمة الاقتصادية المُصاحبة لجائحة كورونا على كافة المجالات ذات الصلة بعمل الصندوق.
فقد تمكّن الصندوق خلال إستراتيجيته الحالية (2020-2025) من تلبية جميع طلبات القروض الجديدة وطلبات السحب لقروض قائمة، بإجراءات سريعة، وتخصيص الموارد اللازمة لتلبية هذه الطلبات. إضافة إلى مواصلة برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والنقدي، وتوسيع نطاق المبادرات التي تصبّ في تحقيق الأهداف الإستراتيجيّة وتعزيزها بأنشطة مستجدة، وتواصله المستمر وتوسيع نطاق اللقاءات التشاورية وتبادل التجارب والخبرات مع الدول العربية، إلى جانب تعزيز التعاون مع الشركاء من المنظمات الإقليمية والدولية خاصة في مجال تقديم المشورة والمعونة الفنية.
كما عمل الصندوق على تعزيز دوره في تقديم المشورة والمعونة الفنية لمواجهة التحديات الاقتصادية من خلال إصدار عدد من المبادئ الإرشادية لتعزيز قدرات السلطات الإشرافية في الدول الأعضاء على تبني السياسات والإجراءات الفعّالة لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي.
كذلك عزز الصندوق دوره كمركز للمعرفة ومنصة للحوار في مواضيع الشمول المالي، والتقنيات المالية الحديثة، من خلال دعم جهود الدول العربية لتعزيز الشمول المالي، والمساعدة على بناء الإستراتيجيات الوطنية للشمول المالي، وتعزيز منظومة الخدمات المالية الرقمية، واستحداث برامج للتوعية والتثقيف المالي، ووضع الأطر اللازمة لحماية مستهلكي الخدمات المالية، وتعزيز القدرات في مجال توفير البيانات والإحصاءات ذات الصلة، ودعم برامج تنمية منظومة التقنيات المالية الحديثة، بما يساهم في خلق البيئة الحاضنة الملائمة لنمو صناعة التقنيات المالية الحديثة، وتطوير الخدمات المالية الرقمية في الدول العربية، في إطار بيئة تشريعية ورقابية ملائمة. كذلك حرص الصندوق على توسيع أنشطته لدعم تطوير القطاع المالي غير المصرفي من خلال أنشطة عدة تتعلق بقطاع التأمين، وصناديق التقاعد والمعاشات، وبرامج ضمان القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وغيرها.
كما نفّذ الصندوق عدداً من الأنشطة التي تواكب القضايا المستجدة، كالتمويل المسؤول والمستدام، والتغير المناخي، والتمويل الأخضر، والاقتصاد الدائري، وغيرها من الموضوعات التي أصبحت بنداً هاماً على جدول أعمال المؤسسات الدولية.
كذلك حرص الصندوق على جمع الفاعلين وصناع السياسات في القطاع المالي على المستويين العربي والدولي لإثراء الحوار البنّاء حول سبل تعزيز الاستقرار المالي والمصرفي ومواجهة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي خلفتها جائحة كورونا لاسيما من خلال متابعة المخاطر النظامية في القطاع المصرفي العربي وتقديم المشورة والمعونة الفنية لتقوية السياسات الاحترازية.
كما واصل الصندوق ضمن استراتيجيته الحالية تفعيل نظام التدريب "عن بُعد" وورش العمل التطبيقية التي شهدت تنوعاً في الموضوعات لتحاكي المستجدات الحاصلة في الاقتصادات العربية، لتعزيز وبناء القدرات الفنية البشرية العاملة في الجهات المعنية للدول الأعضاء. كذلك عزز الصندوق أنشطته في مجال الدراسات والأبحاث، وإصدار التقارير الدورية، علاوة على دوره الهام في تقوية القدرات الإحصائية في الدول العربية لاسيما بإطار مبادرة "عربستات".
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
اسمحوا لي أن أنتهز هذه المناسبة، لإعلامكم أن منصة "بُنى" للمدفوعات، التي استكمل الصندوق إنشاءها بتوجيه ودعم وتعاون من المصارف المركزية العربية ومن المؤسسات المالية الدولية والبنوك المركزية العالمية، أصبحت اليوم تحظى بقبول دولي واسع وباتت تمثل نموذجاً للتوافق مع توجهات مجموعة العشرين لتعزيز كفاءة وسلامة معاملات الدفع والتحويل عبر الحدود بما يخدم أغراض تعزيز التدفقات المالية ودعم النزاهة والاستقرار المالي.
كما تعلمون تشكل منصة "بُنى" نظاماً متكاملاً ومتخصصاً في توفير خدمات مقاصة وتسوية المدفوعات بالعملات العربية والدولية، يهدف إلى تمكين المؤسسات المالية والمصرفية في المنطقة العربية من إرسال واستقبال المدفوعات البينية في جميع أنحاء المنطقة العربية وخارجها بصورة آمنة وموثوقة وبتكلفة مناسبة وفعالية عالية. تقدم المنصة إلى البنوك حلول دفع حديثة تتوافق مع المعايير والمبادئ الدولية ومتطلبات الامتثال الدولية، إلى جانب مساهمتها في تعزيز فرص التكامل الاقتصادي والمالي في المنطقة العربية ودعم الروابط الاستثمارية مع الشركاء التجاريين في مختلف القارات. وللعلم، المشاركة في المنصة متاح لكافة البنوك والمؤسسات المالية التي تستوفي معايير وشروط المشاركة فيها، وفي مقدمتها المعايير والإجراءات الخاصة بجوانب الامتثال.
لدى المنصة إستراتيجية متكاملة لتطوير الخدمات المقدمة، بدءً بخدمات الدفع الفوري وخدمات تمويل التجارة ومعاملات أسواق المال عبر الحدود. تقدم المنصة خدمات الدفع والتسوية بعملات عربية ودولية تشمل الآن: الدرهم الإماراتي والريال السعودي والجنيه المصري والدينار الأردني والدولار الأمريكي واليورو، إلى جانب عملات عربية وآسيوية سيتم الإعلان عنها. وهناك تواصل ومشاورات حالياً مع أكثر من 260 بنك، منهم نحو 120 بنكاً وقعوا اتفاقية الربط ونحو 100 بنك أتموا الربط مع المنصة.
كذلك هناك تطور نسبي متصاعد في عدد عمليات التحويل بالدرهم الاماراتي ثم الجنيه المصري والدولار الأمريكي، ومؤخراً الريال السعودي، متطلعين لزيادتها بما يتناسب وأهمية الريال والاقتصاد السعودي في المنطقة. حيث تظهر البيانات أن نحو 61.8 في المائة من عدد التحويلات الاجمالية التي تمت حتى نهاية أغسطس 2023، كانت بالدرهم الإماراتي، ونحو 30.2 في المائة منها كانت بالجنيه المصري، ونحو 3.6 في المائة بالريال السعودي، ونحو 3.3 في المائة بالدولار الأمريكي، ونحو 0.9 في المائة بالدينار الأردني، وحوالي 0.3 في المائة باليورو.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات الأخوات والأخوة،
لا يخفى عليكم أن ثمة استحقاقات أمام المصارف المركزية العربية من أجل الاستدامة والاستقرار في ظل التطورات والمستجدات الحاصلة اليوم، من بينها ما يتعلق بإصدار العملات الرقمية للبنوك المركزية. ففي الوقت الذي تعكف العديد من المصارف المركزية حول العالم على دراستها واكتشاف ما تحمله من فرص وتحديات، ثمة اتجاه عالمي يحث الخطى نحو إصدار هذه العملات، حيث يتوقع أن يصل عدد المصارف المركزية لاسيما في الاقتصادات المتقدمة والناشئة إلى 24 مصرف مركزي بحلول عام 2030.
أما الاستحقاق الآخر فهو اختيار المزيج الأمثل للسياسات النقدية والاحترازية للتعامل مع الأزمات الاقتصادية وغير الاقتصادية التي ما انفكت تواجه العالم. يُضاف إلى ذلك، كيفية التعامل مع التغير الحاصل في نماذج أعمال العملاء خاصة من الشركات العاملة في التقنيات المالية الحديثة. كذلك تبرز تحديات التغير المناخي، ومتطلبات التحول نحو/ وتشجيع الاقتصاد الأخضر، وغيرها من القضايا التي تتطلب المزيد من الحوار والنقاش وتبادل الرؤى من أجل تعزيز قدرات مصارفنا المركزية من أجل الاستدامة والمرونة.
وفي الختام أجدد امتناني للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية رئيساً وحكومة وشعباً على استضافة الاجتماع. كما أجدد الامتنان لفخامة الرئيس عبدالمجيد تبون على الرعاية الكريمة للاجتماع، ولا يفوتني تجديد الشكر لمعالي أيمن عبد الرحمان على تكرمه بإفتتاح الاجتماع، والشكر موصول لسعادة صالح الدين طالب محافظ بنك الجزائر على تعاونه وزملاءه في التحضير للاجتماع وتوفير مستلزمات نجاحه.
كذلك لا يفوتني في هذه المناسبة تقديم الشكر لدولة الإمارات العربية المتحدة على الرعاية والدعم الكبيرين الذي تقدمه باعتبارها دولة مقر صندوق النقد العربي، الذي يساهم بدون شك في تمكين الصندوق للقيام بالمهام المنوطة به على أفضل وجه.
كما أود أخيراً، أن أشكر أصحاب المعالي والسعادة محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية على دعمهم المتواصل للصندوق ولأنشطة المجلس الموقر، راجياً لاجتماعنا هذا كل النجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.