معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي يلقي كلمة في إفتتاح "المنتدى الإقليمي الثالث للضرائب في الدول العربية" حول التدابير الضريبية لدعم التعافي الإقتصادي في مرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا

تحديات المعادلة في كيفية إيجاد الموازنة بين اعتبارات دعم التعافي الإقتصادي وتحقيق الإنضباط المالي

أهمية وضع إستراتيجية واضحة وشاملة تربط بين التدابير الضريبية ومسارات تعافي الإقتصاد على نحو يعزز الإيرادات العامة ويدعم الإنتعاش الإقتصادي

الحاجة لإعادة تقييم عدد من السياسات والتدابير الضريبية قصيرة الأجل التي اُتخذت لتخفيف التداعيات غير المواتية الناتجة عن الجائحة

تثمين الإصلاحات الجارية في مجال الإدارة الضريبية في الدول العربية نحو بناء إدارة ضريبية حديثة تعزز الإمتثال الضريبي، والتأكيد على أهمية رقمنة الخدمات الضريبية

بمشاركة خبراء من المؤسسات المالية الإقليمية والدولية وحضور المسؤولين في وزارات المالية والهيئات والسلطات الضريبية في الدول العربية، ألقى معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس ادارة صندوق النقد العربي كلمةً افتتاحية في المنتدى الإقليمي الثالث للضرائب في الدول العربية، الذي يعقد تحت عنوان " التدابير الضريبية لدعم التعافي الإقتصادي في مرحلة ما بعد أزمة جائحة كورونا "، الذي ينظمه صندوق النقد العربي، بالتعاون مع المركز الدولي للضرائب والإستثمار، اليوم 23 مايو (أيار) 2021.

أكد معاليه في بداية كلمته أن إنعقاد المنتدى هذا العام جاء في ظل تزايد التحديات الإقتصادية والمالية الناتجة عن إنتشار جائحة كورونا، على رأسها اختلال التوازنات المالية وارتفاع المديونية وتزايد مستويات الهشاشة في أغلب الدول، والتوقعات بإستمرار المخاطر المحيطة بآفاق النمو الإقتصادي. وأشار معاليه إلى أن هذه التحديات والمخاطر تلقي بظلالها على العودة السريعة إلى مسار الإنتعاش الإقتصادي بالرغم من بشائر الخروج من المراحل الحرجة للأزمة التي بدأت تزداد يوماً بعد يوم بفضل تضافر جهود توزيع اللقاحات والتكيف مع الحياة في ظل الجائحة. 

في هذا السياق، أكد معاليه على أهمية الضرائب في تعزيز الأوضاع المالية ودعم مسارات التعافي الإقتصادي في مرحلة ما بعد الأزمة. وبيَّن أن الموازنة بين هذين الهدفين تتطلب مقاربة ذكية بين اعتبارات دعم التعافي الإقتصادي ومتطلبات تحقيق الإستدامة المالية، مشيراً إلى ضرورة وضع إستراتيجية واضحة وشاملة تربط بين التدابير الضريبية ومسارات تعافي الإقتصاد.

في هذا الخصوص، أكد معاليه على أهمية التدرج في الخروج من التدابير الضريبية قصيرة الأجل التي تم تطبيقها خلال الجائحة بما يعزز الديناميكية الإقتصادية. كذلك تطرق إلى عدد من الخيارات الضريبية التي يُمكن التعويل عليها في دعم النمو الإقتصادي بالتوازي مع زيادة الإيرادات المالية لتقوية الوضع المالي، سيما في ظل حيز الإصلاح الذي تتسم به ضرائب السلع والخدمات التي تُمثل حوالي 8 في المائة وضرائب الدخل التي تُمثل حوالي 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية، بما يسمح بخيارات تتعلق بسياسات الضرائب غير المباشرة، والضرائب المباشرة، وخيارات وأدوات تعزيز الإدارة الضريبية ورفع معدلات الإمتثال الضريبي. كما شدَّد على أهمية الإستفادة من توظيف التقنيات المالية الحديثة لتحسين الخدمات الضريبية.

أخيراً دعى معاليه إلى أهمية التنسيق الضريبي على المستويين الدولي والإقليمي لإحراز تقدم ملموس بإطار مواكبة الترتيبات والأطر الضريبية العالمية بما يُعزز حماية الأوعية الضريبية الوطنية.

 

وفيما يلي النص الكامل للكلمة:

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة الحضور،

 

يسرني أن أرحب بكم بمناسبة المنتدى الإقليمي الثالث للضرائب في الدول العربية، الذي ينظمه صندوق النقد العربي، بالتعاون مع المركز الدولي للضرائب والإستثمار، كملتقى لصانعي السياسات المالية والضريبية في دولنا العربية.

اسمحوا لي بدايةً أن أشكر أصحاب المعالي والسعادة رؤساء الهيئات الضريبية ووكلاء وزارات المالية في الدول العربية على دعمهم ومشاركتهم في المنتدى. كما يسرني الترحيب بكبار المسؤولين في وزارات المالية والهيئات والسلطات الضريبية من مختلف دولنا العربية، نثمن حرصهم على المشاركة التي تجسد الإهتمام الكبير الذي توليه السلطات في الدول العربية لتعزيز فرص تبادل التجارب والخبرات في مناقشة مختلف القضايا الضريبية في سياق التطورات والتحديات الراهنة.

كما لا يفوتني في هذه الافتتاحية، أن أعرب عن ترحيبي بشركائنا في المركز الدولي للإستثمار والضرائب، وصندوق النقد والبنك الدوليين، ومنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية ونُقدّر جهودهم وتعاونهم مع زملائي في الصندوق، في الإعداد والتحضير للمنتدى والعمل على توفير كل السبل التي تساهم في نجاحه لتحقيق الأغراض المنشودة منه.

 

 

حضرات السيدات والسادة،

يأتي انعقاد المنتدى هذا العام في ظل تزايد التحديات الإقتصادية والمالية الناتجة عن جائحة كورونا، في مقدمتها اختلال التوازنات المالية وارتفاع المديونية العامة وتزايد مستويات الهشاشة في أغلب الدول، والتوقعات باستمرار المخاطر المحيطة بآفاق النمو الإقتصادي في ضوء استمرار أجواء عدم اليقين المحيطة بالتجارة العالمية، وتزايد مواطن الضعف والهشاشة الداخلية في بعض الدول. تُلقي هذه التحديات والمخاطر بظلالها على العودة السريعة إلى مسار الإنتعاش الإقتصادي بالرغم من بشائر الخروج من المراحل الحرجة للأزمة التي بدأت تزداد يوماً بعد يوم بفضل تضافر جهود توزيع اللقاحات والتكيف مع الحياة في ظل الجائحة.

 

حضرات السيدات والسادة،

تظهر تقديرات المؤسسات الدولية أن أداء الإقتصاد العالمي سيشهد تحسناً خلال عامي 2021 و 2022، ليعكس إتجاهاً للتعافي من تداعيات جائحة كورونا في ضوء التوسع في تقديم اللقاحات وعودة النشاط لعدد من القطاعات الإقتصادية، حيث تشير التوقعات إلى تحقيق معدل نمو يقدر بنحو 6.0 و 4.4 في المائة للعامين على التوالي. إلا إن مسار هذا التعافي يظل محاطاً بعدم اليقين في ضوء إحتمالات تعذر إحتواء الفيروس، وزيادة مخاطر الدين العالمي الذي سجل ارتفاعاً يُقدر بنحو 24 تريليون دولار، ليصل إلى 281 ترليون دولار ما نسبته 355 في المائة من الناتج العالمي مع نهاية عام 2020.

فيما يتعلق بالدول العربية، فيقدر أن ينعكس التعافي المتوقع للتجارة الدولية وزيادة مستويات الطلب العالمي على النفط وأسعاره، إضافة لسياسات دعم التعافي والنمو التي أقدمت عليها معظم الدول العربية من خلال حزم تحفيز بلغ اجماليها نحو 264 مليار دولار خلال عام 2020، في تحقيق معدل نمو متوقع أن يصل إلى نحو 2.8 في المائة عن عام 2021 ويرتفع إلى نحو 3.6 في المائة عن عام 2022، وفقاً لتقديرات صندوق النقد العربي، مقارنةً بإنكماش بحوالي 4.4 في المائة خلال عام 2020، مع توقع تباين سرعة التعافي بين الإقتصادات العربية، بحسب قدرة الأنظمة الصحية ومدى توفر الحيز المالي لإستمرار سياسات التعافي، وطبيعة الهياكل الإقتصادية.

في ظل استمرار أجواء عدم اليقين بآفاق التطورات الإقتصادية وتداعياتها على الأوضاع المالية لدولنا العربية، تبرز الحاجة إلى المضي قدماً في دعم التعافي الإقتصادي بالتوازي مع تحقيق الإنضباط المالي والإستدامة المالية. تكمن صعوبة هذه المعادلة في كيفية إيجاد نوع من الموازنة بين اعتبارات دعم التعافي الإقتصادي وتحقيق الإنضباط المالي. حيث يتطلب دعم التعافي الإقتصادي في الأجل المتوسط مواصلة جهود تحفيز النشاط الإقتصادي ومواجهة الآثار الناتجة عن الجائحة من خلال زيادة الإنفاق الحكومي الرأسمالي، وتحفيز إنفاق المستهلكين، وتحفيز الإنفاق الإستثماري للقطاع الخاص، في حين تستوجب إستعادة الإستدامة المالية تكثيف وتيرة تنفيذ الإصلاحات المالية الرامية إلى احتواء مستويات العجز في الموازنات العامة وتقليص مستويات الدين العام. 

تستوجب مثل هذه الأوضاع تبني مقاربة ذكية تُوازن بين متطلبات تعزيز النمو الإقتصادي وهدف زيادة الإيرادات المالية لتقوية الوضع المالي. لعله من المهم في هذا الصدد النظر في وضع استراتيجية واضحة وشاملة تربط بين التدابير الضريبية ومسارات تعافي الإقتصاد على نحو يعزز الإيرادات العامة ويدعم الانتعاش الإقتصادي، سيما أن مرحلة التعافي الإقتصادي تتطلب بناء سياسات مالية أكثر مرونة وفعالية لمواجهة تحديات الركود الإقتصادي عبر تحريك جانبي العرض والطلب، مما يتطلب المزيد من الإنفاق الحكومي وتبني تدابير لتشجيع الإستهلاك والإستثمار بما ينسجم مع المستجدات التي تتطلبها مرحلة ما بعد كورونا.

 

حضرات السيدات والسادة،

مع تعافي الإقتصادات، ستكون هناك حاجة لإعادة تقييم عدد من السياسات والتدابير الضريبية قصيرة الأجل التي اُتخذت لتخفيف التداعيات غير المواتية الناتجة عن الجائحة. في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى إنتهاج استراتيجية متدرجة في الخروج من تلك السياسات والتدابير بما يعزز الديناميكية الإقتصادية، سيما ان هناك بعض السياسات والتدابير التحفيزية ستكون هناك حاجة لإستمرارها لدعم وتنشيط جانب الطلب الكلي. 

كذلك يُمكن تركيز الجهود على زيادة الإيرادات من الضرائب ذات القواعد الواسعة التي ستكون أقل أثراً على النمو، بما في ذلك ضرائب الإستهلاك التي تتسم بالعدالة في توزيع العبء الضريبي على قاعدة ضريبية واسعة، والكفاءة في تعزيز الموارد العامة، ذلك نظراً لحيز الإصلاح الذي تتسم به، حيث تصل نسبتها في المتوسط في الدول العربية إلى حوالي 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. في هذا السياق، يُمكن التركيز على ضريبة القيمة المضافة كأحد الخيارات المتاحة لزيادة الإيرادات دون إعاقة مسار التعافي الإقتصادي باعتبارها أحد أهم مصادر الإيرادات الضريبية وأقل إحتمالية لتثبيط الإستثمار والنمو. يمكن في هذا الخصوص، إعادة النظر في إصلاح المشهد الضريبي من خلال تدابير ترمي إلى توسيع القاعدة الضريبية. لعل التجارب الدولية المتاحة في مجال سياسات تطبيق ضريبة القيمة المضافة على الخدمات الحكومية، والقطاع العقاري، والخدمات المالية، والخدمات الرقمية تمثل فرصة للإستفادة منها في معالجة التحديات التي تصاحب توسيع القاعدة الضريبية.

تدفع التوجهات الراهنة الداعمة للتنسيق الضريبي على المستويين الدولي والإقليمي وما يصاحبها من ظهور للمعايير والقواعد الضريبية الدولية التي تحد من التحايل الضريبي، باتجاه ضرورة تكامل الجهود، بما يؤسس لإحراز تقدم ملموس بإطار مواكبة الترتيبات والأطر الضريبية العالمية ومعالجة القضايا الضريبية الدولية، ويُعزز حماية الأوعية الضريبية الوطنية. في هذا السياق، وفي ظل توسع العمل عن بعد والتحول نحو التجارة الرقمية الذي لوحظ خلال الأزمة، والتوقعات بإنتقال المزيد من النشاط الإقتصادي عبر الشبكات الإلكترونية، يُمكن الإستفادة من التدابير والمعايير الدولية المتعلقة بتوسيع مظلة ضريبة القيمة المضافة لتشمل الخدمات الإلكترونية والمعاملات الرقمية.

تفسح الحاجة إلى تحفيز الإستثمار المجال أمام تعزيز مرونة وعدالة ضرائب الدخل، بما يؤدي بشكل عام إلى توزيع عبء الضريبة على المكلفين وفقاً لقدرات تحملهم. يُمكن أن يتم ذلك من خلال توسيع المظلة الضريبية وتخفيف العبء الضريبي من خلال تعزيز تصاعدية ضرائب الدخل، وموائمة السياسات الضريبية للقدرات المالية للأعمال صغيرة الحجم التي تُشكل قوام القطاع الإنتاجي، بعيداً عن الإعفاءات التي لا يزال أثرها محدوداً على تحفيز وجذب الاستثمار. ذلك أنه يُلاحظ من واقع هيكل الإيرادات الضريبية العربية، انخفاض إيرادات ضرائب الدخل حيث تُمثل حوالي 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يُظهر إمكانية رفع حصيلتها مع المحافظة على دعم النمو الإقتصادي.

 

حضرات السيدات والسادة،

لعل ما تحقق من إصلاحات في مجال الإدارة الضريبية في دولنا العربية يُشكل رصيداً يمكن التعويل عليه في بناء إدارة ضريبية حديثة تعزز الإمتثال الضريبي. يكمُن التحدي في هذا السياق في كيفية الإستفادة من التقنيات الحديثة في تعزيز الإدارة الضريبية، وتقليل الأعباء على دافعي الضرائب، بما يُمكن من رفع معدلات الإمتثال الضريبي، وتحسين كفاءة التحصيل. على الرغم من تسارع إتاحة بعض الخدمات الإلكترونية لدافعي الضرائب على خلفية الطلب المتزايد على الإدارة الإلكترونية الذي خلقته الجائحة، لا تزال هناك حاجة لمزيد من الإستثمار في البنية التحتية التقنية لإتاحة المزيد من الأتمتة وتحسين الإمكانات الرقمية والقدرة على إدارة المخاطر. كما يُمكن أن يساعد تبسيط الضرائب من خلال إجراءات وتدابير إدارية ذكية تستهدف قطاع الأعمال الصغيرة في إدماج أنشطة القطاع غير المنظم في القطاع الرسمي في المدى الطويل.

 

حضرات السيدات والسادة،

يناقش المنتدى اليوم، تحديات وخيارات الإصلاح الضريبي لدعم التعافي الإقتصادي وتعزيز الأوضاع المالية في مرحلة ما بعد الجائحة، مع النظر في سبل الإستفادة من التطور التقني المتسارع في بناء نظم إدارة ضريبة حديثة تعزز الإمتثال الضريبي وتحسن كفاءة التحصيل. كل هذه المواضيع يتم مناقشتها بالإستفادة من دروس وتجارب عربية ودولية في هذا الشأن. لا شك أن المنتدى يمثل فرصة للتشاور وتبادل الآراء والخبرات حول مختلف القضايا الضريبية، بما يساهم في زيادة الموارد العامة وتعزيز الأوضاع المالية، وفي الوقت نفسه خلق البيئة المواتية والمشجعة للنمو الشامل والمستدام.

قبل اختتام هذه الكلمة، أود الإشارة إلى أن صندوق النقد العربي حرص في السنوات الأخيرة على زيادة إهتمامه بقضايا الإصلاح الضريبي، إدراكاً لأهميتها لدولنا العربية، سواء من خلال برامج الإصلاح في إطار تسهيلات الصندوق أو من خلال أنشطة بناء القدرات والورش والمنتديات لتبادل الخبرات والمعرفة. نتطلع اليوم للمناقشات والآراء للإستفادة منها في تعزيز إدراكنا للإحتياجات والأولويات على صعيد إصلاحات السياسة والإدارة الضريبية في الدول العربية، والإستفادة منها كذلك في تطوير برامج وأنشطة الصندوق في مجال المالية العامة.

أخيراً أود أن أكرر شكري لشركائنا في تنظيم المنتدى، كما لا يفوتني في هذا الصدد، أن أجدد الشكر للمشاركين من وزارات المالية والهيئات والسلطات الضريبية من مختلف دولنا العربية.

كما لا يسعني بالنهاية إلا أن أتقدّم بخالص الشكر والتقدير لدولة الإمارات العربية المتحدة، دولة مقر الصندوق، على توفيرها لكافة التسهيلات التي تساعد بدون شك على قيام الصندوق بالمهام المنوطة به.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.