يُعد قطاع الإسكان والعقارات واحداً من أهم محركات النمو الاقتصادي في العديد من الدول
توفير الموارد التمويلية اللازمة والملائمة من أبرز التحديات التي تواجه نمو قطاع الإسكان والعقارات
قامت السلطات في الدول العربية بجهود كبيرة في السنوات الأخيرة لتطوير الإطار القانوني والمؤسسي لأنظمة الرهونات العقارية
هناك حاجة لتعزيز مساهمات القطاع الخاص للاستثمار في الإسكان الميسور التكلفة في المنطقة العربية
ألقى معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، كلمة في افتتاح أعمال المؤتمر عالي المستوى حول تعزيز نفاذ الفئات محدودة الدخل لخدمات التمويل العقاري: السياسات والتحديات، المنعقد في العاصمة التونسية تحت رعاية معالي رئيس الحكومة التونسية السيدة نجلاء بودن رمضان، وبحضور معالي الدكتور مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي، وبمشاركة عدد كبير من المسؤولين والخبراء والمتحدثين من مختلف المؤسسات والهيئات المعنية بتمويل الإسكان في تونس والدول العربية ومن مختلف دول العالم، وعدد من الأطر والمؤسسات المالية العالمية المعنية.
بيّن معاليه في كلمته، أن قطاع الإسكان والعقارات يعد واحداً من أهم محركات النمو الاقتصادي لدى العديد من الدول، ويحتل أهمية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي في الدول العربية، مشيراً إلى أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع والمتمثلة في توفير الموارد التمويلية اللازمة والملائمة. أشار معاليه كذلك إلى أهم محركات النمو التي من شأنها زيادة مستويات الطلب على التمويل العقاري في المنطقة العربية، المتمثلة في ارتفاع نسبة الشباب في التركيبة السكانية في عدد من الدول العربية.
في هذا الصدد، بيّن معاليه أن التمويل العقاري من شأنه أن يؤدي إلى تحمل المقرض لمخاطر تمويل الوحدات السكانية لأجل ممتد زمنياً، الأمر الذي يستلزم وجود الإطار القانوني والمؤسسي والآليات التي تحمي حقوقه وتساعد في الوقت ذاته على تطوير السوق، مشيراً في هذا الإطار إلى الجهود التي قامت بها السلطات في الدول
العربية خلال السنوات الأخيرة لتطوير الإطار القانوني والمؤسسي لأنظمة الرهونات العقارية، إلى جانب سعي بعض الدول العربية إلى تطوير سوق الرهونات العقارية، والاهتمام بوضع استراتيجيات تهدف لتطوير سوق السندات وزيادة مستويات العمق المالي لسوق التمويل العقاري، خاصة فيما يتعلق بالشرائح المنخفضة الدخل.
في نفس السياق، أشار معالي المدير العام رئيس مجلس الإدارة إلى هدف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030 بشأن "الإسكان الآمن والملائم والميسور التكلفة"، الذي يعد التزاماً عالمياً لضمان حصول الجميع على سكن لائق وبأسعار معقولة بحلول عام 2030، منوهاً أن تحقيق هذا الهدف يتطلب التعاون بين الحكومات وواضعي السياسات والمؤسسات المالية ومقدمي الإسكان والمجتمعات لمعالجة التحديات والقصور في تمويل الإسكان، واعتماد سياسات إسكان شاملة، وتعزيز ممارسات البناء المستدامة، والشراكة لتوفير حلول إسكان مبتكرة وميسورة التكلفة.
من جانب آخر، أشار معالي الدكتور الحميدي إلى أن هناك تزايداً في توجه القطاع الخاص للاستثمار في الإسكان الميسور التكلفة في المنطقة العربية، ينعكس في تزايد عدد مطوري العقارات وصناديق الاستثمار والمؤسسات المالية التي تستثمر في هذا القطاع، والذي يُعزى بشكل رئيس إلى القناعة المتزايدة بالفوائد الاجتماعية والاقتصادية للإسكان الميسور التكلفة، فضلاً عن إمكانية تحقيق عوائد مالية قوية.
في سياق متصل، أوضح معالي الدكتور الحميدي أن إمكانية الحصول على مساكن ميسورة التكلفة في الدول العربية، يمثل تحدياً للعديد من الأسر ذات الدخل المنخفض، مشيراً إلى أبرز التحديات مثل ضعف الجدارة الائتمانية، ونقص الضمانات، ومحدودية المدخرات. كما بيّن معاليه أن تكاليف البناء المرتفعة، بما في ذلك الأرض والمواد والعمالة والامتثال التنظيمي، تؤثر بشكل كبير على القدرة على تحمل تكاليف الإسكان. أشاد كذلك بالجهود الكبيرة للتمويل الحكومي في عدد من الدول العربية من خلال مبادرات الإسكان الميسور، مبيّناً أن هناك حاجة للمزيد من الجهود لتوفير خيارات التمويل الميسور، إلى جانب الحاجة للتوعية بشأن خيارات وبرامج التمويل للفئات محدودة الدخل.
من جانب آخر، أشاد معالي الدكتور الحميدي بالجهود والمساعي التي تقوم بها السلطات التونسية، في تعزيز الوصول للسكن الميسور، مشيراً إلى امتلاك أكثر من 80 في المائة من الأسر التونسية منازل، وتفوق هذه النسبة 90 في المائة في المناطق الريفية.
في الختام، ثمّن معالي الدكتور الحميدي جهود دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرعاية والدعم الكبير الذي تقدمه باعتبارها دولة مقر صندوق النقد العربي، الذي يساهم بدون شك في قيام الصندوق بالمهام المنوطة به.
فيما يلي النسخة الكاملة من الكلمة الافتتاحية:
معالي رئيس الحكومة التونسية السيدة نجلاء بودن رمضان المحترمة
معالي الدكتور مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي المحترم
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
أسعد الله صباحكم بكل خير وسرور،
يسعدني أن أتواجد معكم اليوم في بلدنا العزيز الجمهورية التونسية في افتتاح المؤتمر رفيع المستوى حول "تعزيز نفاذ الفئات محدودة الدخل لخدمات التمويل العقاري: السياسات والتحديات"، الذي ينظّمه صندوق النقد العربي بالتعاون مع البنك المركزي التونسي. يأتي تنظيم المؤتمر في إطار الحرص على دعم جهود السلطات التونسية والسلطات في الدول العربية لتطوير قطاع التمويل العقاري وتعزيز دوره في خدمة التنمية المستدامة، حيث تتسق أغراض المؤتمر مع أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 وخاصة الهدف الحادي عشر المتعلق بالمدن والمجتمعات المستدامة.
إنه من دواعي السرور تواجد هذا العدد الكبير من المسؤولين والخبراء والمتحدثين والمشاركين من مختلف المؤسسات والهيئات المعنية بتمويل الإسكان في تونس، ومن الدول العربية ومن مختلف الدول والأقاليم، ومشاركة الأطر والمؤسسات المالية العالمية المعنية. لا شك أن المؤتمر يمثل منصة هامة للحوار وتبادل الخبرات والتجارب ونقل المعرفة حول جوانب الموضوع، الذي لا خلاف على أهميته على صعيد الشمول المالي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والتنمية المستدامة.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يعتبر قطاع الإسكان والعقارات واحداً من أهم محركات النمو الاقتصادي لدى العديد من الدول. ورغم الأهمية الاقتصادية والاجتماعية لهذا القطاع في المنطقة العربية، فلا يزال يواجه عدداً من التحديات. لعل من أبرزها الحاجة لتوفير الموارد التمويلية اللازمة والملائمة لدفع نمو قطاع الإسكان والعقارات بما يتلاءم مع الزيادة في مستويات الطلب، خاصةً على صعيد السكن الميسور للفئات محدودة الدخل.
وتنعكس هذه الحقائق عند مقارنة مؤشرات مدى عمق سوق التمويل العقاري في المنطقة العربية، بالمؤشرات المثيلة لمجموعات الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض الأخرى. حيث أن نسبة قروض الإسكان لإجمالي القروض الممنوحة في المنطقة العربية تقل عن مثيلاتها في الاقتصادات الناشئة والدول النامية. يشير ذلك لوجود فرص كبيرة لتنشيط وتطوير هذا القطاع بما يتلاءم مع معدلات النمو السكاني والقوة الشرائية في المستقبل. فهناك العديد من محركات النمو التي من شأنها زيادة مستويات الطلب على التمويل العقاري في المنطقة الغربية. يتمثل أبرز هذه العوامل في التغيرات الديموغرافية، وارتفاع نسبة الشباب في التركيبة السكانية في العديد من دول المنطقة، إضافة لاتجاه السكان بصورة عامة نحو تفضيل امتلاك الوحدات العقارية وليس استئجارها، بما يسهم بشكل كبير في تعزيز معدلات الطلب.
كما تعلمون يؤدي التمويل العقاري إلى تحمل المقرض لمخاطر تمويل الوحدات السكانية لأجل ممتد زمنياً وهو ما يستلزم وجود الإطار القانوني والمؤسسي والآليات التي تحمي حقوق الدائنين وتساعد في الوقت ذاته على تطوير السوق، وهذا ما يتم في العديد من الدول من خلال أنظمة الرهونات العقارية القائمة على تسجيل الملكية ووجود نظم لحماية وضمان حقوق المقرضين. لذلك عملت السلطات في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة على تطوير الإطار القانوني والمؤسسي لأنظمة الرهونات العقارية. وسعى البعض من هذه الدول إلى تطوير سوق الرهونات العقارية بدرجات متفاوتة، حيث اهتم عدد من الدول العربية بوضع استراتيجيات تهدف لتطوير سوق السندات وزيادة مستويات العمق المالي لسوق التمويل العقاري الملائم، خاصة فيما يتعلق بالشرائح المنخفضة من الدخل.
لا شك أن هناك حاجة لتطوير أسواق التمويل العقاري من خلال مجموعة من الجوانب، منها مواصلة تطوير نظم تسجيل الملكية العقارية وضمان حقوق الدائنين، بهدف خفض كلفة التسجيل وتعزيز كفاءة وسلامة هذه النظم. إضافة إلى تطوير القوانين المنظمة للرهن العقاري ومراجعتها، وكذلك تطوير خدمات الاستعلام الائتماني، والعمل على زيادة مستويات شفافية أسواق التمويل العقاري من خلال تحسين مستويات جودة البيانات المتاحة عن السوق التي من شأنها تقليل مستويات المخاطر.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
فيما يتعلق بالسكن الميسور بصورة خاصة، تواجه مختلف دول العالم ومنها دولنا العربية تحديات توفير السكن ميسور التكلفة. حيث أدى ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار السكن، إلى صعوبة تحمّل الكثير من أفراد المجتمع إمكانية شراء مسكن، وهو ما يعتبر مصدر قلق لصانعي السياسات. نتيجة لذلك، عملت العديد من الحكومات في الدول العربية على تطوير استراتيجيات وخطط وبرامج لمعالجة هذه التحديات، إدراكاً لأهمية السكن الميسور في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وتعزيز التنمية المستدامة في دولنا العربية.
كما تعلمون يشير الإسكان الميسور إلى الوحدات السكنية أو المساكن ميسورة التكلفة في حدود الإمكانات المالية للأفراد والأسر من ذوي الدخل المنخفض إلى المتوسط. وقد يختلف التعريف المحدد للإسكان الميسور التكلفة من منطقة لأخرى أو من دولة لأخرى، حيث يتأثر بمجموعة من العوامل مثل مستوى الدخل المحلي وظروف سوق الإسكان والسياسات الحكومية. ويتم تصميم برامج السكن الميسور لتوفير ظروف معيشية آمنة ولائقة ومناسبة مع السماح للأسر بتلبية احتياجاتها الأساسية الأخرى، مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يعتبر هدف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030 بشأن "الإسكان الآمن والملائم والميسور التكلفة" التزاماً عالمياً لضمان حصول الجميع على سكن لائق وبأسعار معقولة بحلول عام 2030. يشمل هذا الهدف العديد من الجوانب الرئيسة التي لا غنى عنها لتحقيق حلول الإسكان المستدامة. كما تعتبر القدرة على تحمل التكاليف أحد الاعتبارات الحاسمة في أهداف التنمية المستدامة، وينبغي أن يكون السكن ميسور التكلفة، بحيث لا تتجاوز تكاليف السكن، نسبة معينة من دخل الأسرة.
يتطلب تحقيق أهداف التنمية المستدامة للإسكان الآمن والملائم والميسور التكلفة، التعاون بين واضعي السياسات، والمؤسسات المالية، ومقدمي الإسكان لمعالجة تحديات تمويل الإسكان، واعتماد سياسات إسكان شاملة، وتعزيز ممارسات البناء المستدامة، الشراكات لتوفير حلول إسكان مبتكرة وميسورة التكلفة.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
لا يخفى عليكم أن تمويل الإسكان الميسور التكلفة يشير إلى الطرق المختلفة التي تمكن الأسر والأفراد ذوي الدخل المنخفض من تأمين التمويل لشراء أو استئجار منازل ميسورة وفقاً لمستوى دخلهم المنخفض. يمكن أن يشمل ذلك البرامج التي ترعاها الحكومة، والقروض منخفضة الفائدة من المؤسسات المالية للتنمية المجتمعية، والإعفاءات الضريبية لمطوري المساكن ميسورة التكلفة. كما تشمل الخيارات الأخرى المنح والإعانات، والشراكة بين الوكالات الحكومية، والمنظمات غير الربحية ومؤسسات القطاع الخاص.
وكما تعلمون يشمل تمويل الإسكان الميسور التكلفة جانبي العرض الطلب، حيث تشمل حلول جانب العرض زيادة توفير وحدات سكنية ميسورة التكلفة من خلال الحوافز الحكومية للمطورين، كالإعفاءات الضريبية والإعانات وتغييرات تقسيم المناطق. من ناحية أخرى، ترتكز حلول جانب الطلب على زيادة القوة الشرائية للأسر ذات الدخل المنخفض من خلال تقديم المساعدة المالية مثل مساعدة الدفعة المقدمة، والقروض منخفضة الفائدة، وإعانات الإيجار. غالباً ما يجمع النهج الشامل للإسكان الميسور التكلفة بين حلول جانب العرض وجانب الطلب لمواجهة التحديات من زوايا متعددة.
في بعض الدول العربية، يتم توفير التمويل الحكومي للإسكان الميسور من خلال برامج مثل الإعانات، والقروض منخفضة الفائدة، وبرامج المساعدة في الإيجار. إضافة إلى ذلك، نفذت بعض الدول سياسات مثل تقسيم المناطق، التي تتطلب من المطورين تضمين نسبة معينة من الوحدات السكنية بأسعار معقولة في المشروعات الجديدة.
والملاحظ هو تزايد استثمار القطاع الخاص في الإسكان الميسور التكلفة في المنطقة العربية، مع تزايد عدد مطوري العقارات وصناديق الاستثمار والمؤسسات المالية التي تستثمر في هذا القطاع. يرجع ذلك جزئياً إلى الاعتراف المتزايد بالفوائد الاجتماعية والاقتصادية للإسكان الميسور التكلفة، فضلاً عن إمكانية تحقيق عوائد مالية قوية. إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة بين الاحتياجات وبين ما هو متاح.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
لا شك أن إمكانية الحصول على مساكن ميسورة التكلفة في الدول العربية، يمثل تحدياً للعديد من الأسر ذات الدخل المنخفض، ذلك بسبب مجموعة من العوامل التي تنشأ من تحديات مختلفة. يعد الوصول المحدود إلى التمويل والخدمات المالية، كما سبقت الإشارة، أهم هذه التحديات، التي تواجه الأسر ذات الدخل المنخفض، بسبب عدد من العوامل مثل الائتمان الضعيف، ونقص الضمانات، ومحدودية المدخرات، مما يجعل من الصعب عليهم التأهل للحصول على قروض الإسكان بأسعار معقولة. من جانب آخر تؤثر تكاليف البناء المرتفعة، بما في ذلك الأرض والمواد والعمالة والامتثال التنظيمي، بشكل كبير على القدرة على تحمل تكاليف الإسكان. كما أن النقص في الوحدات السكنية ذات الأسعار المعقولة مقارنةً بالطلب يزيد من تفاقم التحديات، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للأفراد والأسر من ذوي الدخل المنخفض. مع الجهود الكبيرة للتمويل الحكومي من خلال مبادرات الإسكان الميسور، هناك حاجة للمزيد من الجهود لدعم توفير خيارات التمويل الميسورة. يضاف إلى ذلك، الحاجة للتوعية بشأن خيارات وبرامج التمويل للفئات محدودة الدخل.
تتطلب معالجة هذه التحديات اتباع نهج شامل يضم مختلف الأطراف ذات العلاقة، حيث يمكن للحكومات توفير مزيد من التمويل والحوافز للمؤسسات المالية والمطورين، مع تبسيط اللوائح لخفض التكاليف وتشجيع الاستثمار. تستفيد الشراكة بين القطاعين العام والخاص من الموارد والخبرة لتطوير مشاريع إسكان ميسور التكلفة ونماذج تمويل مبتكرة. يمكن أن يؤدي استكشاف نماذج تمويل بديلة مثل السندات الاجتماعية والتمويل الأصغر إلى توسيع نطاق الوصول. كما تعزز برامج تعزيز الثقافة المالية وفرص التدريب فهم الأفراد ذوي الدخل المنخفض والمطورين والمقرضين.
لا شك إن تبادل أفضل الممارسات والخبرات بين الدول من خلال التعاون الإقليمي والدولي يسهّل تبادل المعرفة من أجل استراتيجيات تمويل الإسكان الميسور التكلفة، وهو ما نستهدفه من المؤتمر.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
أود أن أشيد بالجهود والمساعي التي تقوم السلطات في بلدنا العزيز تونس، لتعزيز الوصول للسكن الميسور، رغم التحديات الاقتصادية والمالية. جدير بالذكر ان أكثر من 80 في المائة من الأسر التونسية تمتلك منازل، وتصل هذه النسبة لأكثر من 90 في المائة في المناطق الريفية، وهذه نسب جيدة. ويمثل السداد السنوي لقروض الإسكان للأسر التي لديها قروض عقارية نحو 36 في المائة في المتوسط من نفقات الأسر.
لقد أدخلت السلطات التونسية إصلاحات في تحسين ومراقبة وإدارة الممتلكات بما في ذلك العقارات غير الرسمية، وتم تخفيض ضريبة الدخل على المواطنين الذين يرغبون في شراء عقارات، إضافة إلى منح إعفاءات ضريبية على مبيعات المنازل. كذلك تناولت الإصلاحات، التطبيقات الخضراء للسكن الميسور التكلفة، بما يشجع على تبني تقنيات تأخذ بالاعتبار تغيرات المناخ والتكلفة المتزايدة للطاقة.
مع ذلك، فإن الجهود مطلوبة لتبني حلول للمساهمة في سد الاحتياجات الكبيرة والمتنامية من الطلب على السكن الميسور، وهو ما تدركه السلطات التونسية. ولعل مناقشات المؤتمر تساعد على تناول هذه الحلول بما في ذلك سبل تعزيز الشراكات العامة الخاصة بهذا الغرض.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يهدف المؤتمر إلى تسليط الضوء على الواقع والآفاق والتحديات والسياسات الخاصة بتمويل الإسكان الميسور لفئات الدخل المنخفض، لما لذلك من أهمية في تحقيق وتعزيز أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية.
يُناقش المؤتمر على مدار اليومين، اتجاهات تمويل الإسكان والسعي لتحقيق التنمية المستدامة، واستكشاف طرق مواجهة التحديات والفرص في هذا القطاع الحيوي، حيث سيتم تناول الاتجاهات العالمية والإقليمية لتمويل الإسكان في سياق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، والتقدم المحرز ومجالات الإصلاح المطلوبة في هذا المجال. كما يناقش المؤتمر خيارات سياسات الإصلاح لدعم جانبي الطلب والعرض على الإسكان الميسور، من خلال التعرف على الدروس المستفادة من تجارب عربية ودولية، والوقوف على النجاحات المحققة والتحديات، بما يمكننا من صياغة استراتيجيات فعّالة لتلبية احتياجات الإسكان. كما يتطرق المؤتمر لمتطلبات تطوير أسواق للإيجار السكني ميسور التكلفة، بما يمكن من إنشاء أسواق مستدامة للايجار تلبي احتياجات مجتمعاتنا. يُختتم اليوم الأول بمناقشة جوانب تعزيز الإطار المؤسسي والرقابي لأدوات وأسواق الرهونات العقارية، للوقوف على الأطر التنظيمية السليمة والإشراف الفعّال كضرورة لتعزيز ممارسات الإقراض المسؤولة والحفاظ على الاستقرار المالي.
في اليوم الثاني، سيتم تناول تقاطع أسواق رأس المال وأدوات الرهن العقاري، ذلك لاستكشاف طرق إطلاق إمكانات أسواق رأس المال، التي يمكن أن تعزز بشكل كبير الوصول إلى تمويل الرهن العقاري وتسهيل نمو قطاع الإسكان. إضافة لذلك تم تخصيص جلسة لمناقشة تطوير وتمويل الإسكان الأخضر، في ضوء الحاجة الملحة إلى حلول إسكان مستدامة وصديقة للبيئة.
كما تلقي المناقشات الضوء على خيارات التمويل لإسكان الأسر ذوي الدخل المنخفض، حيث تتطلب تلبية احتياجات الإسكان للمجتمعات الضعيفة والمهمشة، آليات تمويل مبتكرة وتدخلات هادفة، بما يساعد في البحث عن حلول لضمان حصول كل فرد على سكن آمن ولائق. أخيراً سيتطرق المؤتمر إلى دور القطاع الخاص في دفع جهود وبرامج الإسكان الميسور التكلفة، حيث يجلب التعاون مع القطاع الخاص موارد وخبرات وابتكارات قيّمة، مما يساعد على تحقيق الأهداف السكنية بشكل أكثر فعالية.
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يحرص صندوق النقد العربي على تناول مواضيع أهداف التنمية المستدامة في ضوء استراتيجيته القائمة، لذلك يأتي المؤتمر في إطار هذا الاهتمام، وسياق برامجه لتعزيز الشمول المالي. لدى الصندوق عدد من الأنشطة في هذا الصدد، تشمل التدريب وبناء القدرات إضافة إلى إعداد دراسات وتنظيم منتديات لتبادل الخبرات والتجارب. أرجو بلوغ الأهداف المنشودة لهذا المؤتمر، متطلعين للمزيد من الأنشطة في مواضيع تمويل الإسكان الميسور لفئات الدخل المنخفض، بما يخدم تطوير التنمية المستدامة بصفة عامة في دولنا العربية. وبالطبع نتطلع في الصندوق لمناقشات المؤتمر بما يساعدنا على تطوير برامجنا وفقاً لاحتياجات دولنا الأعضاء.
قبل الختام أود أن أعرب عن امتناني لجميع المتحدثين المحترمين والمشاركين على مساهماتهم القيمة في هذا الحدث، آملين أن نتابع العمل معكم لتطوير قطاع التمويل العقاري في دولنا العربية. كما أشكر السلطات في بلدنا العزيز الجمهورية التونسية والبنك المركزي التونسي على التعاون في تنظيم المؤتمر، وهي مناسبة للاشادة بالجهود الكبيرة للبنك المركزي بقيادة معالي الدكتور مروان العباسي لتعزيز الاستقرار المالي والشمول المالي في ضوء التحديات القائمة.
كما أجدد التقدير والامتنان في هذه المناسبة لجميع الزميلات والزملاء في دولنا العربية، وفي المؤسسات الإقليمية والدولية على حسن تعاونهم في إنجاح هذا المؤتمر، متطلعين للعمل مجدداً معهم في فعاليات أخرى.
كما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر لدولة الإمارات العربية المتحدة دولة مقر صندوق النقد العربي على الرعاية التي توليها للصندوق بما يساهم دون شك في قيام الصندوق بالمهام المنوطة به.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،