76 في المائة من المصارف المركزية العربية تدرس فرص إصدار عملات رقمية، وثلاثة من بينها تشارك حالياً في تجارب لإصدار مثل هذه العملات
من المتوقع إنجاز مصرفان عربيان إصدار عملة رقمية في السنوات الثلاث القادمة، فيما يتوقع 60 في المائة من المصارف المركزية العربية أن تتمكن من إصدار عملة رقمية في أفق زمني ممتد إلى ست سنوات
69 في المائة من المصارف المركزية العربية في طور تحديد نوع العملة المزمع إصدارها، في حين ينخرط 25 في المائة منها في مشروعات/دراسات لإصدار أكثر من نوع من أنواع العملات الرقمية
اعتبارات زيادة مستويات الشمول المالي تأتي على رأس أولويات المصارف المركزية العربية من إصدار عملات رقمية في مجال مدفوعات التجزئة، فيما تأتي اعتبارات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على رأس أولوياتها من إصدار العملات الرقمية في مجال مدفوعات الجملة
طبيعة الأطر القانونية والتنظيمية القائمة، واعتبارات حوكمة إصدار العملات الرقمية تمثل أهم التحديات التي تواجه الدول العربية على صعيد إصدار عملات رقمية
أهمية تعزيز قدرات المصارف المركزية العربية على صعيد إصدار عملات رقمية من خلال الدخول في شراكات إقليمية ودولية بهدف تبادل الخبرات وتنفيذ تجارب لإثبات المفهوم
في إطار حرصه على تطوير أنشطته البحثية بما يخدم صناع القرار في الدول العربية في الموضوعات ذات الأولوية، أصدر صندوق النقد العربي دراسة بعنوان "توجهات المصارف المركزية العربية نحو إصدار عملات رقمية". تكمن أهمية الدراسة في كونها تتطرق إلى اتجاهات إصدار العملات الرقمية للبنوك المركزية في الدول العربية استناداً إلى استبيان أجراه صندوق النقد العربي في هذا الصدد وتطرق إلى العديد من الجوانب ذات العلاقة بهذه العملات وتم استيفاؤه من قبل 17 مصرفاً مركزياً عربياً.
كما توفر الدراسة أساساً للرصد الدوري لمستوى تقدم عمليات إصدار مثل هذه العملات في الدول العربية، ودوافع البنوك المركزية العربية من إصدارها، وأبرز التحديات التي تواجهها، بالتالي إمكانية تتبع جهود الدول العربية في هذا الإطار عبر الزمن، ومقاربتها كذلك مع مثيلاتها من البنوك المركزية الدولية سواءً المتقدمة منها أو النامية.
أشارت الدراسة إلى أن المصارف المركزية العربية كغيرها من المصارف المركزية الدولية، تهتم باستكشاف فرص الاستفادة من قيامها بإصدار عملات رقمية، حيث تدرس حالياً 76 في المائة من المصارف المركزية العربية فرص إصدار عملات رقمية. من بين هذه المصارف هناك ثلاثة منها مشاركة في تجارب قائمة لإصدار هذه العملات، فيما لا تزال غالبية المصارف المركزية العربية في مرحلة البحث والتطوير وإثبات المفهوم لفرص إصدار مثل هذه العملات.
من حيث المدى الزمنى، من المتوقع إنجاز مصرفان عربيان إصدار مثل هذه العملة خلال السنوات الثلاث القادمة، فيما يتوقع 60 في المائة من المصارف المركزية العربية أن تتمكن خلال فترة تتراوح ما بين أربع إلى ست سنوات من إصدار عملة رقمية، بينما يمتد الأجل الزمني المتوقع لإصدار مثل هذه العملات في 29 في المائة من هذه المصارف إلى فترة تتراوح ما بين سبع إلى عشرة سنوات. أما من حيث أنواع العملات الرقمية التي تهتم المصارف المركزية العربية بإصدارها، فلا تزال 69 في المائة من المصارف المركزية العربية في طور تحديد نوع العملة المزمع إصدارها، في حين ينخرط 25 في المائة منها بين مشروعات/دراسات لإصدار أكثر من نوع من أنواع العملات الرقمية.
من جانب آخر، اهتمت الدراسة كذلك بالوقوف على دوافع المصارف المركزية العربية من إصدار عملات رقمية، حيث تختلف الدوافع ما بين دول العالم بحسب العديد من العوامل لاسيما ما بين الدول المتقدمة والنامية وكذلك بحسب مستوى كفاءة نظم الدفع وإدارة السياسة النقدية ومستويات الشمول المالي وكذلك من حيث أولوياتها فيما يتعلق بالتوافق مع المتطلبات التنظيمية الدولية. في هذا الإطار، جاءت اعتبارات زيادة مستويات الشمول المالي على رأس أولويات الدول العربية من إصدار عملات رقمية في مجال مدفوعات التجزئة (Retail CBDC) بنسبة بلغت 69 في المائة، يليها اعتبارات زيادة كفاءة نظم الدفع المحلية (63 في المائة)، وهو ما يتوافق مع الدوافع المثيلة المسجلة لدى عدد من الدول النامية الأخرى بحسب الاتجاهات التي قام بنك التسويات الدولية برصدها في عام 2021.
في المقابل، جاءت اعتبارات تسهيل عمليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على رأس أولويات غالبية المصارف المركزية العربية من إصدار العملات الرقمية في مجال مدفوعات الجملة (Wholesale CBDC) بنسبة 56 في المائة. يأتي لاحقاً دافع تحسين كفاءة إدارة السياسة النقدية (50 في المائة من المصارف المركزية)، لاسيما في ضوء الدور المتوقع للعملات الرقمية الصادرة عن المصارف المركزية حول العالم في زيادة كفاءة أنظمة مدفوعات سوق تعاملات ما بين المصارف بالاستناد إلى تقنيات من أهمها تقنية السجلات الموزعة.
لا يزال الطريق نحو إصدار عملات رقمية طويلاً بالنسبة لغالبية المصارف المركزية العربية، حيث تواجه العديد من التحديات في هذا الإطار، يأتي على رأسها طبيعة الأطر القانونية والتنظيمية القائمة، واعتبارات حوكمة إصدار العملات الرقمية، وتوفر الموارد البشرية المؤهلة، إضافة إلى بعض التحديات التقنية، وطبيعة البنية الأساسية التشاركية اللازمة لإصدار مثل هذه العملات، إضافة إلى اعتبارات القدرة على تعزيز قابلية التشغيل البيني ما بين أنظمة المدفوعات القائمة، وتحديد أدوار كل من المصارف المركزية والقطاع الخاص عبر كامل حلقات إصدار وتوزيع العملات الرقمية.
في ضوء ما سبق خلصت الدراسة إلى بعض التوصيات لعل من أبرزها أهمية تعزيز قدرات المصارف المركزية العربية على صعيد استكشاف مدى إمكانية إصدار عملات رقمية من خلال الدخول في شراكات إقليمية ودولية بهدف تبادل الخبرات والتجارب وتنفيذ عدد من المشروعات التجريبية في هذا الإطار. علاوة على توفير المتطلبات الأساسية لنجاح عمليات إصدار مثل هذه العملات بما يشمل الإطار القانوني والتنظيمي الداعم لإصدارها، وتعزيز حماية البيانات وأمن الفضاء الإلكتروني، ووجود أطر لحوكمة عمليات إصدار العملات الرقمية من قبل المصارف المركزية، إضافة إلى تكوين شراكات ناجحة مع شركات التقنية، ودعم قدرات العاملين في المصارف المركزية العربية في كافة المجالات ذات الصلة بإصدار العملات الرقمية.