رقمنة تمويل التجارة يساهم في زيادة حجم التجارة العربية البينية التي لا زالت تشكل مستويات منخفضة تدور حول 10 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للدول العربية
في إطار حرص صندوق النقد العربي على مساندة جهود دوله الأعضاء في مجال التحول الرقمي، ينظم الصندوق بالتعاون مع برنامج تمويل التجارة العربية ورشة عمل فنية عالية المستوى "عن بُعد" حول "رقمنة عمليات تمويل التجارة" خلال الفترة 30-31 مايو 2021 بمشاركة عدد من الخبراء من المؤسسات الإقليمية والدولية وممثلين رفيعي المستوى من الجهات المعنية بعمليات تمويل التجارة في الدول العربية.
بهذه المناسبة ألقى معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي كلمة في الجلسة الافتتاحية، أكد فيها على أهمية الورشة التي تأتي في ضوء الدور الكبير الذي تلعبه التجارة الدولية لا سيما في الدول ذات الاقتصادات الناشئة والدول النامية على صعيد تعزيز النمو الاقتصادي.
أشار معاليه إلى أن رقمنة تمويل التجارة سوف تساهم في تقليص فجوة تمويل التجارة التي ارتفعت في أعقاب جائحة كوفيد-19 لتصل إلى 3.4 تريليون دولار مقابل 1.5 تريليون دولار في عام 2019 قبل انتشار الجائحة وفق تقديرات كل من البنك الآسيوي للتنمية وغرفة التجارة الدولية، وما يفرضه ذلك من تحديات خاصةً بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تشير التقديرات إلى صعوبة نفاذ 45 في المائة منها إلى تسهيلات تمويل التجارة.
كما أوضح معاليه أن التقديرات الدولية تشير كذلك إلى أن إلغاء الاعتماد على المستندات الورقية في معاملات تمويل التجارة يؤدي إلى تقليل الوقت اللازم لإنجاز كل معاملة بمقدار ساعتين على الأقل، فيما يساهم التطبيق المناسب لتقنيات رقمنة عمليات تمويل التجارة في تقليل تكاليف الامتثال بنسبة 30 في المائة أو أكثر.
من جانب آخر، أشار معاليه إلى أن استكشاف فرص التحول الرقمي في تمويل التجارة العربية من شأنه أن يساعد على إحداث زيادة ملموسة في حجم التجارة العربية البينية التي لا زالت تشكل مستويات منخفضة بحدود 10 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للدول العربية في مقابل مستويات تقارب 70 في المائة بالنسبة لدول الإتحاد الأوروبي.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة:
حضرات الأخوات والأخوة ،،
إنه لمن دواعي سروري وامتناني أن أرحب بكم في ورشة العمل الفنية عالية المستوى "عن بُعد" حول "رقمنة عمليات تمويل التجارة" التي ينظمها كل من صندوق النقد العربي وبرنامج تمويل التجارة العربية بمشاركة واسعة من ممثلي الجهات المعنية في الدول العربية في ضوء أهمية هذا الموضوع ودوره في زيادة مستويات كفاءة عمليات تمويل التجارة العربية.
كما لا يفوتني في البداية أن أتقدم بخالص الشكر لممثلي المؤسسات الإقليمية والدولية المشاركين في هذه الورشة بما يشمل: غرفة التجارة الدولية، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، والمؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية (بُنَى)، وأن أثمن مشاركتهم القيمة في فعاليات هذه الورشة.
والشكر موصول كذلك لكافة الممثلين رفيعي المستوى من المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، ووزارات الاقتصاد والتجارة، والغرف التجارية، والوكالات الوطنية لبرنامج تمويل التجارة العربية.
الحضور الكريم
لا يخفى على أحد منكم الدور الكبير الذي تلعبه التجارة الدولية لا سيما في البلدان ذات الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية على صعيد تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتقليل مستويات الفقر وتمكين الحكومات من بلوغ أهداف التنمية المستدامة. كما لا يخفى عليكم كذلك حجم فجوة تمويل التجارة التي ارتفعت من نحو 1.5 تريليون دولار في عام 2019 قبل انتشار جائحة كورونا إلى ما لا يقل عن 3.4 تريليون دولار في أعقاب الجائحة وفق تقديرات كل من البنك الآسيوي للتنمية وغرفة التجارة الدولية، وما يفرضه ذلك من تحديات خاصةً بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تشير التقديرات إلى صعوبة نفاذ 45 في المائة منها إلى تسهيلات تمويل التجارة.
الأخوات والأخوة
كما تعلمون لا تزال عمليات تمويل التجارة تتم بشكل تقليدي وتمر بالعديد من الإجراءات التي تستند إلى المستندات الورقية التي قد يصل عددها في بعض الأحيان إلى مائة مستند ورقي مطلوب لإنجاز معاملة واحدة لتمويل التجارة بما يقلل من كفاءة هذه العمليات، ويزيد من الوقت المطلوب والكلفة اللازمة لإنجازها، ويحول دون نفاذ شريحة واسعة من العملاء لهذه الخدمات.
يمثل التحول الرقمي في تمويل التجارة أحد أهم التطورات التي تساعد على تطوير آليات التمويل التقليدية وزيادة كفاءة العمليات التي تستهدف تيسير التجارة العربية الدولية لاسيما في ظل التقنيـــات البـــارزة في سيـــاق الثــورة الصناعيــة الرابعة التي تشمل تقنية سلاسل الكتل، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبيرة، التي تساعد البنوك على التعرف بشكل أدق على عملائها، وتيسر كافة الإجراءات المرتبطة بعمليات تمويل التجارة، بما يساعد على خفض التكاليف وزيادة مستويات الشمول المالي لاسيما بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
فالتقديرات تشير إلى أن إلغاء الاعتماد على المستندات الورقية في معاملات تمويل التجارة يؤدي إلى تقليل الوقت اللازم لإنجاز كل معاملة بمقدار ساعتين على الأقل، فيما يساهم التطبيق المناسب لتقنيات رقمنة عمليات تمويل التجارة في تقليل تكاليف الامتثال بنسبة 30 في المائة أو أكثر.
علاوة على ما سبق، سيكون للتحول الرقمي بشكل عام وفي مجال تمويل التجارة بشكل خاص العديد من المكاسب الاقتصادية الكلية لا سيما بالنسبة للدول النامية، حيث من المتوقع أن تسهم الرقمنة بشكل عام في رفع معدل نمو التجارة الدولية لهذه الدول بنحو 2.5 في المائة سنوياً خلال الفترة (2021-2035)، كما يتوقع أن ترفع من معدل النمو الاقتصادي للاقتصادات المتقدمة بنحو 9 في المائة سنوياً، فيما يتوقع أن تسجل الدول النامية مكاسب أكبر للرقمنة ممثلةً على سبيل المثال في ارتفاع متوقع للناتج المحلي الإجمالي في البرازيل بنحو 20 في المائة وفي الصين بنحو 55 في المائة بحلول عام 2035 وفق تقديرات منظمة التجارة العالمية.
الحضور الكريم
لقد ساهم برنامج تمويل التجارة العربية منذ بدء نشاطه في عام 1991 وحتى نهاية مارس 2021، في تمويل نحو 764 خط ائتمان بقيمة إجمالية بلغت نحو 15 مليار دولار أمريكي. كما يسعى البرنامج من خلال وكالاته الوطنية البالغ عددها 217 وكالة إلى تيسير وتنمية التجارة العربية البينية ويحرص على التطوير المستمر لخدماته بما يلاءم احتياجات المصدرين والمستوردين.
في ضوء ما سبق، تنبع أهمية هذه الورشة من اهتمام برنامج تمويل التجارة العربية بالمتابعة الحثيثة للتطورات والمستجدات خاصة في مجال التحولات الرقمية المتعلقة بتمويل التجارة بما تتيحه من فرص لتطوير هذا النشاط على مستوى المنطقة العربية وزيادة فرص النفاذ لهذا النوع من التمويل الذي يُعد على جانب كبير من الأهمية، لاسيما بالنسبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تساهم بنحو 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية وتوفر ثلث فرص العمل في القطاع الرسمي.
كما من شأن استكشاف فرص التحول الرقمي في تمويل التجارة العربية أن يساعد على إحداث زيادة ملموسة في حجم التجارة العربية البينية التي لا زالت تشكل مستويات منخفضة بحدود 10 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للدول العربية في مقابل مستويات تقارب 70 في المائة بالنسبة لدول الإتحاد الأوروبي.
من جانب آخر، تأتي هذه الورشة كذلك في سياق اهتمام صندوق النقد العربي في سياق استراتيجيته للفترة (2020-2025) ورؤيته لعام 2040، أن يكون الشريك الأقرب للدول العربية في تفاعلها مع التطورات والمستجدات الإقتصادية لتعزيز مراكز الاستقرار في الدول العربية، في إطار نهج استباقي لمساعدة الدول العربية على مواكبة الثورة الرقمية بهدف تعزيز مستويات أدائها الاقتصادي وإنتاجيتها وتنافسيتها الدولية.
ففي هذا السياق، يركز صندوق النقد العربي بشكل خاص على تقديم المشورة والدعم الفني لدوله الأعضاء في مجال التحول الرقمي لاسيما فيما يتعلق برقمنة المالية العامة، والعملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية، والتحول المالي الرقمي، والتقنيات المالية الحديثة، ورقمنة عمليات تمويل التجارة، من خلال العديد من الأنشطة بما يشمل تبادل الخبرات والتجارب وبناء قدرات للفنيين المعنيين في الدول الأعضاء في هذه المجالات.
الحضور الكرام،،
قبل الختام، أود أن انتهز هذه المناسبة لأعرب عن خالص التقدير والشكر للسلطات في دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة مقر صندوق النقد العربي وبرنامج تمويل التجارة العربية والمؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية (بُنى)، لما تقدمه من دعم كبير يساهم في نجاح هذه المؤسسات في القيام بالمهام والأغراض المناطة بها.
في الختام أتمنى أن تتكلَّل فعاليات هذه الورشة بالنجاح متمنياً التوفيق لكافة الأخوة والأخوات المشاركين. كما أُجدد شكري لجميع المتحدثين، متطلعاً إلى المساهمة الفاعلة لهذه الورشة في مساندة جهود التحول الرقمي لخدمات تمويل التجارة في الدول العربية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.