أنشأت الدول العربية صندوق النقد العربي رغبة منها في إرساء المقومات النقدية للتكامل الاقتصادي العربي ودفع عجلة التنمية الاقتصادية في جميع الدول العربية. يعمل الصندوق على دعم برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي بما يحقق الأهداف الوطنية ويُعزّز الجهود نحو التكامل الاقتصادي العربي. في هذا السياق، يوفّر الصندوق التمويل لبرامج الإصلاح في الدول الأعضاء بإطار النشاط الإقراضي الذي يأتي على رأس قائمة الوسائل المتاح له استخدامها لتحقيق أهدافه، كما أن الصندوق يدعم بعض برامج الإصلاح بتوفير الدعم الفني لرسم السياسات والإصلاحات التي تحقق الأهداف المنشودة.
حددت اتفاقية الصندوق طبيعة النشاط الإقراضي الذي أُوكل إلى الصندوق القيام به، حيث نصت مادتها الرابعة على أن من الأغراض التي يهدف الصندوق إلى المساهمة في تحقيقها، "تصحيح الاختلال في موازين مدفوعات الدول الأعضاء". وبذلك تكون الاتفاقية قد ميَّزت الصندوق عن بقية المؤسسات المالية العربية المشتركة فيما يتعلق بهذا النشاط، حيث وجهته إلى الجوانب المرتبطة بالوضع الكلي للاقتصاد الذي يعتبر الاختلال في ميزان المدفوعات محصلة لما يعتريه من اختلالات مالية وهيكلية. كما أتاحت الاتفاقية في مادتها التاسعة أن يقوم الصندوق، بقرار من مجلس محافظيه، باتباع أية وسيلة أخرى تساعد على تحقيق أهدافه.
يمثل دعم برامج الإصلاح من خلال النشاط الإقراضي للصندوق، بما يهدف إليه من تصحيح للخلل في موازين مدفوعات الدول الأعضاء وتطوير اقتصاداتها وإصلاح الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها، إلى جانب دعم الإصلاحات القطاعية كالإصلاحات في قطاع مالية الحكومة والقطاع المالي والمصرفي، عاملاً هاماً لتحفيز هذه الدول على تقليل اعتماد نُظُمها على قيود الصرف، ومن ثم تحقيق حرية التحويل بين عملاتها وتحرير التبادل التجاري والمدفوعات، بل والتقدم نحو حرية التحويل بشكل عام. فهو لذلك يمثل أحد العناصر الرئيسة التي يهدف الصندوق من خلالها إلى إرساء المقومات النقدية للتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء ودفع عجلة التنمية فيها.
في ضوء ذلك، تراعي سياسة الإقراض في الصندوق، بما تتضمنه من نظم وقواعد وإجراءات، عدداً من الأسس والمبادئ التي يتعين على الصندوق مراعاتها في نشاطه الإقراضي. من هذه المبادئ تحقيق العدالة وتكافُؤ الفرص بين الدول الأعضاء فيما يقدمه من تسهيلات. ومن هذه المبادئ أيضاً كفالة قدرة الصندوق على الاستمرار والنمو في نفس الوقت الذي يسعى فيه إلى تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها، وذلك عن طريق السعي نحو تحقيق التوازن الأمثل بين توفير التمويل اللازم للإقراض وبين ضرورة تدعيم موارده عند إقراضه للدول الأعضاء والتأكد من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاهه، وذلك بصفة خاصة عن طريق الاتفاق مع العضو المقترض على برامج تصحيحية مناسبة في الحالات التي تنص عليها الاتفاقية، والتشاور بشأنها للتأكد من فاعليتها في تخفيف العجز في ميزان مدفوعات الدولة العضو خلال فترة استحقاق القرض.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى الصندوق إلى تنمية قدراته على الاستمرار في مقابلة متطلبات الإقراض للدول الأعضاء عن طريق تعزيز موارده المالية بأفضل الشروط. لهذه الغاية، يقوم بتأمين موارده من آثار تقلبات أسعار صرف العملات بقدر الإمكان، وتعزيز أمواله الاحتياطية بغرض تمكينه من مواجهة الظروف الطارئة، ودعم وتيسير شروطه تجاه الدول الأعضاء.
تسهيلات الصندوق لدعم برامج الإصلاح واحتياجات التمويل الطارئة
يقدّم الصندوق حزمة من القروض والتسهيلات لدوله الأعضاء بصورة ميسرة ومتفاوتة الآجال، يسبق تقديمها إجراء مشاورات مكثفة مع السلطات المسؤولة للاتفاق معها حول السياسات والإجراءات المناسبة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية. تندرج أنواع القروض والتسهيلات المختلفة التي يوفرها الصندوق ضمن مجموعتين رئيستين، تتمثلان في مجموعة القروض التي تسهم في معالجة الاختلالات في موازين المدفوعات، ومجموعة القروض التي توجه لدعم قطاعات اقتصادية أخرى.
تنحصر أغراض المجموعة الأولى في تصحيح الاختلالات في موازين مدفوعات الدول الأعضاء المقترضة وما يتطلبه ذلك من إصلاحات اقتصادية مرتبطة إلى حد كبير بالأوضاع الكلية للاقتصاد، مع قيام الصندوق بالتشاور والاتفاق حول عناصر هذه الإصلاحات مع السلطات المختصة. ويذكر في هذا الخصوص أن الصندوق كان قد بدأ بتوفير الدعم لهذا النوع من الإصلاحات منذ انطلاق نشاطه الإقراضي عام 1978.
أما المجموعة الثانية من القروض والتسهيلات التي يوفرها الصندوق، والتي تم استحداثها لاحقاً، فهي مخصصة لدعم القطاعات والمجالات وثيقة الصلة باهتمامات الصندوق. وجاء استحداث هذه المجموعة من القروض والتسهيلات انطلاقاً من حرص الصندوق المستمر على متابعة التطورات الاقتصادية في دوله الأعضاء وأولوياتها واحتياجاتها المتغيرة، حيث يذكر أن اهتمامها قد تزايد في السنوات الأخيرة بتبني الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد لرفع معدلات النمو الاقتصادي وإدامتها، بعد أن حققت سياسات الاستقرار وإصلاح الأوضاع الاقتصادية الكلية نتائج طيبة في العديد من الدول الأعضاء.
تشمل القروض والتسهيلات التي يوفرها الصندوق في الوقت الراهن للمساعدة في تمويل العجز الكلي في موازين مدفوعات الدول الأعضاء، أربعة أنواع من القروض، تتفاوت أحجامها وشروط منحها وآجال استحقاقها، وذلك حسب طبيعة وأسباب الاختلال في ميزان المدفوعات الذي تعاني منه الدولة العضو المؤهلة للاقتراض. وتتمثل هذه القروض في التالي:
القرض التلقائي: يقدّم للمساهمة في تمويل العجز الكلي في ميزان مدفوعات الدولة العضو وبحجم لا يزيد عن 75 في المئة من اكتتابها في رأسمال الصندوق المدفوع بعملات قابلة للتحويل. ويبلغ أجل هذا القرض ثلاث سنوات، ولا يشترط للحصول عليه اتفاق الدولة العضو المقترضة مع الصندوق على برنامج تصحيحي لتخفيف العجز في ميزان المدفوعات، طالما أنه لا يوجد بذمتها قروض مشروطة عادية أو ممتدة. أما إذا ما وجدت بذمة العضو تجاه الصندوق قروض عادية أو ممتدة عند طلب القرض التلقائي، ويكون العضو قد انتهى من تنفيذ برنامج الإصلاح المرتبط بها، يقرر الصندوق بناءً على تقييم دواعي العجز الكلي بميزان المدفوعات ما إذا كان الاقتراض المطلوب سيخضع لشروط القرض التلقائي، أو للشروط المطبقة على تلك القروض حيث تتم إضافة حدوده إلى حدود القرض المشروط المعني.
القرض العادي: يقدّم للدولة العضو المؤهلة للاقتراض عندما تزيد حاجتها من الموارد عن 75 في المئة من اكتتابها المدفوع بالعملات القابلة للتحويل. يُقدم القرض عادة بحدود 100 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل، حيث يمكن توسيعه، بحد أقصى، إلى 175 في المئة بإضافة حدود القرض التلقائي. ويشترط للحصول عليه الاتفاق مع الدولة العضو المقترضة على برنامج تصحيح مالي يمتد سريانه لفترة لا تقل عن سنة. وتستهدف السياسات والإجراءات المضمنة في هذا البرنامج العمل على إعادة التوازن المالي بهدف تخفيض العجز في ميزان المدفوعات. ويشرف الصندوق على متابعة تنفيذ البرنامج، حيث يتوقف سحب الدفعات اللاحقة من القرض على التنفيذ المرضي للسياسات والإجراءات المتفق عليها، كما هو شأن كافة القروض المشروطة الأخرى. وتسدد كل دفعة من القرض العادي خلال فترة خمس سنوات من تاريخ سحبها.
القرض الممتد: يقدّم للدولة العضو المؤهلة للاقتراض في حالة وجود عجز مزمن في ميزان المدفوعات ناجم عن خلل هيكلي في اقتصادها. يشترط لتقديم القرض، الاتفاق مع الدولة العضو على برنامج تصحيح اقتصادي يغطي فترة زمنية لا تقل عن سنتين. ويقدم القرض الممتد عادة بحدود 175 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل، ويمكن توسيعه إلى 250 في المئة، كحد أقصى، بإضافة حدود القرض التلقائي. وتسدد كل دفعة منه خلال سبع سنوات من تاريخ سحبها.
القرض التعويضي: يقدّم لمساعدة الدولة العضو التي تعاني من موقف طارئ في ميزان المدفوعات، ناتج عن هبوط في عائدات صادراتها من السلع والخدمات و/أو زيادة كبيرة في قيمة وارداتها من المنتجات الزراعية نتيجة تردي مستويات الإنتاج المحلي من المحاصيل الزراعية. ويبلغ الحد الأقصى لهذا القرض، والذي يقدم بأجل ثلاث سنوات، 100 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل. ويشترط للحصول عليه أن يكون كلاً من الهبوط في الصادرات أو الزيادة في الواردات الزراعية أمراً طارئاً ومؤقتاً.
أما المجموعة الثانية التي تتعلق بالقروض والتسهيلات المتاحة لدعم عدد من القطاعات الاقتصادية فهي تشمل تسهيل التصحيح الهيكلي في القطاع المالي والمصرفي، وتسهيل التصحيح الهيكلي في قطاع مالية الحكومة، وتسهيل الإصلاح التجاري، وتسهيل النفط، وتسهيل السيولة قصيرة الأجل، وتسهيل دعم البيئة المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة:
تسهيل التصحيح الهيكلي: بدأ العمل به عام 1998، حيث ركزت التسهيلات المقدمة في إطاره في المرحلة الأولى على دعم الإصلاحات التي نفذتها الدول الأعضاء المقترضة في القطاع المالي والمصرفي. وتم توسعة مجال نشاطه في العام 2005 ليشمل أيضاً توفير الدعم للإصلاحات المنفذة في قطاع المالية العامة. ويشترط لتقديم التسهيل، أن يكون العضو المقترض قد بدأ بمباشرة جهود الإصلاح الهيكلي، وحقق قدراً معقولاً من الاستقرار الاقتصادي الكلي، ويُمنح التسهيل بعد الاتفاق على برنامج إصلاح هيكلي يشرف الصندوق على متابعة تنفيذه. ويقدم كل شق من التسهيل (القطاع المالي والمصرفي/ قطاع مالية الحكومة) بحد أقصى يبلغ 175 في المائة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل. ويتم سحب مبلغ القرض في إطار التسهيل على دفعتين، وتسدد كل دفعة من القرض على مدى أربع سنوات من تاريخ سحبها.
تسهيل الإصلاح التجاري: أقر مجلس محافظي الصندوق العمل به عام 2007، يستهدف توفير الدعم للدول الأعضاء لمواجهة الأعباء التي قد تترتب على سياسات وإجراءات الإصلاح التجاري، وتشجيعها على تبني الإصلاحات الضرورية لرفع قدرتها على الاستفادة من القروض التي تقدمها الأسواق الدولية بهدف تعزيز النمو وخلق فرص العمل المنتج. يقدّم التسهيل بحد أقصى قدره 175 في المئة من اكتتاب العضو المدفوع بالعملات القابلة للتحويل، بعد الاتفاق معه على برنامج إصلاح هيكلي مناسب يشرف الصندوق على متابعة تنفيذه. وتطبّق على تسهيل الإصلاح التجاري القواعد نفسها التي تحكم أجل وسحب وسداد تسهيل التصحيح الهيكلي في القطاع المالي والمصرفي وقطاع المالية العامة.
تسهيل النفط: تمت الموافقة على إنشائه في أبريل 2007، وبدء العمل به في ديسمبر 2008، كآلية إقراض مؤقتة يستمر سريان العمل بها لمدة خمس سنوات من بدء العمل بها، وذلك بناءً على قرار مجلس المحافظين رقم (3) لسنة 2007. يستهدف التسهيل توفير الدعم للدول الأعضاء المتأثرة بالارتفاع الطارئ في أسعار المستوردات من المنتجات النفطية والغاز الطبيعي، وبما يؤدي إلى تفاقم وضع ميزان المدفوعات، و/أو تشجيع الدول المذكورة على تنفيذ الإصلاحات المناسبة التي تعزز قدرتها على مواجهة الصدمات الخارجية. يُقدّم تسهيل النفط للدول المؤهلة بإجراءات مبسطة وسريعة بحد أقصى قدره 100 في المئة من الاكتتاب المدفوع بالعملات القابلة للتحويل، ويمكن في هذه الحالة الاستفادة من موارد التسهيل دون الالتزام بالاتفاق مع الصندوق على برنامج إصلاح، أو بحد أقصى يبلغ 200 في المائة من الحصة بعد الاتفاق على تنفيذ برنامج إصلاح مدعوم بواحد من قروض وتسهيلات الصندوق المعتادة المخصصة لدعم البرامج الإصلاحية.
تسهيل السيولة قصير الأجل: أقرّ مجلس محافظي الصندوق تسهيل السيولة قصير الأجل عام 2009. يستهدف التسهيل مساعدة الدول الأعضاء التي حققت تقدماً في مجال الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية على مواجهة مشكلات مؤقتة في السيولة بسبب التطورات في الأسواق المالية العالمية. وتقدّم القروض في إطار التسهيل بإجراءات سريعة ودون اشتراط الاتفاق مع الدولة العضو المؤهلة على برنامج إصلاح. ويقدّم تسهيل السيولة قصير الأجل بحد أقصى يبلغ 100 في المئة من الاكتتاب المدفوع بعملات قابلة للتحويل. ويتم سحب مبلغ التسهيل دفعة واحدة أو على دفعات حسب رغبة الدولة العضو المقترضة، وتسدد كل دفعة منه بعد ستة أشهر من تاريخ سحبها، مع إمكانية تمديد الأجل نفسه لمرتين كحد أقصى.
تسهيل دعم البيئة المواتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة: استحدث الصندوق هذا التسهيل في عام 2016، لدعم الإصلاحات الحكومية الرامية إلى تهيئة بيئة مواتية تُعزّز من أنشطة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الدول الأعضاء، بما يدعم جهودها في توفير فرص العمل وتعزيز النمو الشامل والمستدام. تُقدم القروض في إطار التسهيل بحدود 100 في المائة من الاكتتاب المدفوع بالعملات القابلة للتحويل، وتُسدد كل دفعة من القرض على مدى أربع سنوات من تاريخ سحبها.