جهود متواصلة للمصارف المركزية العربية لتطوير الإطار المؤسسي والتشريعي وتهيئة البنية التحتية المواتية لتعزيز الاستقرار المالي
متانة مؤشرات القطاع المصرفي لدى الدول العربية بالرغم من المخاطر والتحديات
حجم موجودات القطاع المصرفي في الدول العربية تكسر حاجز 4 تريليون دولار أمريكي خلال عام 2021
ارتفاع ودائع القطاع المصرفي في الدول العربية لتصل إلى 2.6 تريليون دولار أمريكي واستقرار حجم التسهيلات الائتمانية عند 2.4 تريليون دولار أمريكي
استقرار متوسط كفاية رأس المال لدى القطاع المصرفي العربي عند 17.8 في المائة في نهاية عام 2021
ارتفاع نسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير العاملة، لتصل إلى نحو 91.1 في المائة في نهاية عام 2021، وثبات متوسط نسبة التسهيلات غير العاملة إلى إجمالي التسهيلات في القطاع المصرفي، عند 8.5 في المائة في نهاية نفس العام
تحسن ملحوظ في الكفاءة التشغيلية للقطاع المصرفي، حيث بلغ صافي هامش الفائدة إلى إجمالي الدخل لدى القطاع المصرفي 69.0 في المائة في نهاية عام 2021
ارتفاع معدلات ربحية القطاع المصرفي في الدول العربية، حيث بلغ متوسط معدل العائد على الموجودات والعائد على حقوق المساهمين 1.24 في المائة و11.76 في المائة على التوالي في نهاية عام 2021
تحسن ملحوظ في قيمة مؤشر الاستقرار المالي في الدول العربية في نهاية عام 2021
أصدر صندوق النقد العربي التقرير الخامس حول الاستقرار المالي في الدول العربية، الذي تم إعداده بالتعاون والتنسيق بين الصندوق وفريق عمل الاستقرار المالي من منسوبي المصارف المركزية في الدول العربية، المنبثق عن مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية.
تناول التقرير عدة جوانب اقتصادية ومالية ذات أهمية للدول العربية في إطار سعيها لتعزيز الاستقرار المالي، حيث أكد التقرير على أهمية دور صانعي السياسات في المصارف المركزية والمؤسسات الأخرى في تنفيذ إصلاحات هيكلية ومالية لتعزيز النمو الاقتصادي بما ينعكس إيجاباً على الاستقرار المالي.
في هذا الإطار، بيّن التقرير آخر التطورات التشريعية والمؤسسية للاستقرار المالي بما في ذلك تعزيز البنية التحتية للقطاع المالي في الدول العربية، حيث أظهر جهود المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية الرامية لتطوير الأطر المؤسسية والتشريعية لتعزيز الاستقرار المالي، وتعزيز نظم البنية التحتية للقطاع المالي والمصرفي في الدول العربية، في إطار سعيها لتحقيق الاستقرار المالي من خلال تأسيس وتطوير الإشراف على بنية تحتية مالية ومصرفية متوافقة مع أحدث الممارسات الدولية، بما تتضمنه من أنظمة مصرفية ورقابية حديثة وبما يحقق التطور وزيادة الموثوقية في الخدمات المقدمة من المؤسسات المالية والمصرفية. كذلك خطت الدول العربية خطوات هامة فيما يخص الشمول المالي الرقمي، حيث دأب عدد من هذه الدول على إطلاق إستراتيجيات وطنية لتعزيز الشمول المالي بشكل مدروس وحصيف وتوفير البنية التحتية اللازمة له، بما يدعم النمو الشامل والمستدام.
كما قدم التقرير تحليلاً لتطورات أداء القطاع المصرفي العربي والمخاطر المحتملة، حيث تضمن أبرز المؤشرات المالية المتعلقة بالقطاع المصرفي العربي الذي يبلغ حجم موجوداته حوالي 4 تريليون دولار أمريكي، يمثل ما نسبته 136 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمجموع الدول العربية. فقد ارتفع كل من حجم الموجودات والودائع لدى القطاع المصرفي في نهاية عام 2021 بنسبة 5.0 في المائة و5.5 في المائة على التوالي. وصلت ودائع القطاع المصرفي في الدول العربية إلى 2.6 تريليون دولار أمريكي، فيما استقرت التسهيلات الائتمانية عند 2.4 تريليون دولار أمريكي. يعكس ارتفاع الموجودات والودائع، ثقة العملاء والسوق في القطاع المصرفي، الذي تمكّن من تحقيق هذا النمو بالرغم من التحديات الكبيرة التي فرضتها جائحة كورونا خلال عام 2021. يعود السبب الرئيس في ارتفاع حجم موجودات القطاع المصرفي إلى نمو السيولة، بسبب الإجراءات التحفيزية المتخذة من قبل المصارف المركزية العربية، منها على سبيل المثال تبني سياسات نقدية تيسيرية وتحرير بعض هوامش رأس المال، لمواجهة تداعيات جائحة كورونا وانعكاساتها السلبية على التدفقات النقدية لقطاعي الأفراد والشركات أثناء الجائحة، إضافةً إلى ارتفاع حجم التسهيلات الائتمانية لدى القطاع المصرفي في عدد من الدول العربية. أما بالنسبة لنمو حجم الودائع، فله عدة دلالات إيجابية، منها: ثقة العملاء في القطاع المصرفي العربي، ونجاح سياسات البنوك في تعبئة المزيد من المدخرات، ونجاح إستراتيجيات و/أو برامج الشمول المالي التي تبنتها السلطات الرقابية، إضافةً للأثر الإيجابي الملحوظ للخدمات المالية التي تعتمد على التقنيات المالية، مما عزز من فرص الوصول إلى التمويل والخدمات المالية.
أما فيما يخص مؤشرات المتانة المالية لدى القطاع المصرفي في الدول العربية، فقد أظهر التقرير تميّز القطاع المصرفي العربي بملاءة مالية مرتفعة، إذ وصل متوسط نسبة كفاية رأس المال للقطاع المصرفي العربي إلى نحو 17.8 في المائة في نهاية عام 2021، وهي نسبة أعلى من تلك المستهدفة دولياً حسب معيار بازل ((Ⅲ البالغة 10.5 في المائة، الأمر الذي يُشير إلى تمتع القطاع المصرفي العربي بملاءة عالية بالتالي قدرة على استيعاب أية خسائر محتملة. تجدر الإشارة إلى أن القطاع المصرفي العربي حقق أعلى نسبة كفاية رأس مال خلال الفترة (2013-2021)، بما قد يعكس تحفظ القطاع المصرفي وتحوطه لمواجهة أي صدمات غير متوقعة من خلال بناء هوامش رأس مال إضافية. إضافةً لذلك، اتبعت المصارف المركزية نهجاً تحفظياً بخصوص متطلبات بازل ((III المتعلقة بكفاية رأس المال، من خلال إصدار تعليمات ومتطلبات رقابية تتضمن إلزام البنوك التجارية بالاحتفاظ بنسب أعلى من تلك المقررة في متطلبات بازل III)).
أما بالنسبة لجودة الأصول، فقد تأثر القطاع المصرفي في الدول العربية بأزمة جائحة كورونا، أسوة بالمصارف في الدول الأخرى، حيث انعكست آثار الجائحة على التدفقات النقدية للأفراد والشركات. ساهمت إجراءات المصارف المركزية العربية المتمثلة في تأجيل أقساط المتضررين من جراء الجائحة في ضبط نسبة التسهيلات غير العاملة لتبقى ضمن مستويات مقبولة في نهاية عام 2021. إذ بلغ متوسط النسبة حوالي 8.5 في المائة، مقابل 8.4 في المائة في نهاية عام 2020. في نفس السياق، حافظ متوسط نسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير المنتظمة على مستوياته الجيدة في نهاية عام 2021، حيث بلغ حوالي 91.1 في المائة في نهاية عام 2021 مقابل 87.3 في المائة في نهاية عام 2020. ساهم تطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9 (IFRS9) في ارتفاع نسبة تغطية مخصصات القروض إلى إجمالي القروض غير المنتظمة، إذ يتم بموجب هذا المعيار بناء مخصصات إضافية بشكل تحوطي منذ اليوم الأول لمنح الائتمان، مما يُعزز من قدرة البنوك على مواجهة مخاطر الائتمان، بالتالي تعزيز الاستقرار المالي.
أما عن أداء القطاع المصرفي، شهدت معدلات الربحية في نهاية عام 2021 تحسن ملحوظ، بعد الانعكاسات السلبية للجائحة التي أثرت على ربحية البنوك في عام 2020، منها على سبيل المثال: الأثر السلبي على قدرة عملاء البنوك على السداد، وتراجع النشاط الاقتصادي، وارتفاع المخصصات المرصودة إزاء القروض المتعثرة، وتأجيل أقساط المقترضين، ووضع قيود على توزيع الأرباح. لمواجهة ذلك، قامت المصارف المركزية باتخاذ إجراءات تحفيزية تمثلت في تخفيض أسعار فائدة أدوات السياسة النقدية وتخفيض أو تحرير بعض المتطلبات الاحترازية والرقابية في بعض الدول. حقق القطاع المصرفي العربي معدلات عائد جيدة خلال عام 2021، إذ بلغ متوسط العائد على الموجودات حوالي 1.24 في المائة مقابل 0.82 في المائة في نهاية عام 2020. في المقابل، ارتفع معدل العائد على حقوق الملكية ليصل إلى 11.76 في المائة في نهاية عام 2021، مقابل 6.55 في المائة في نهاية عام 2020. مما يعكس الأداء الجيد للبنوك وكفاءتها في توظيف موجوداتها، وفاعليتها في استخدام رأسمالها وقدرتها على مواجهة الخسائر التي من الممكن أن تتعرض لها مستقبلاً. فيما يخص مؤشرات السيولة، فقد حافظت هذه النسبة لدى القطاع المصرفي العربي على مستويات جيدة، حيث بلغت حوالي 32.7 في المائة في نهاية عام 2021، مقابل 30.9 في المائة في نهاية عام 2020.
من جانب آخر، واستكمالاً لما ناقشته الإصدارات السابقة من تقارير الاستقرار المالي في الدول العربية، من حيث تحليل مخاطر تعرض البنوك للقطاعات الاقتصادية المختلفة، ركّز الإصدار الحالي من التقرير على تقييم مخاطر القطاع العقاري في عدد من الدول العربية، حيث بيّن وجود اهتمام من قبل المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية وكذلك القطاع المصرفي في الدول العربية في دعم القطاع العقاري من جهة، وقيام المصارف المركزية بالتقييم المستمر للمخاطر النظامية التي قد تنشأ عن هذا القطاع. من جهة أخرى، لعل من أبرز ما قام به عدد من المصارف المركزية العربية (بالتعاون مع الجهات الرسمية ذات العلاقة)، تطوير مؤشر أسعار أصول عقارية لتقييم مدى وجود فقاعة سعرية في أسواق العقارات. من خلال ما تم تحليله من بيانات متاحة حول قطاع العقارات، لم يتبين ما يُشير إلى وجود فقاعة سعرية في أسعار الأصول العقارية.
خلص التقرير إلى أن القطاع المصرفي العربي بالرغم من التحديات والمخاطر، كان مستقراً وقادراً بشكل عام على تحمل الصدمات، ذلك في ضوء ما حققه القطاع من مستويات جيدة من رأس المال وجودة الأصول والربحية والسيولة، وهو ما يعكس جهود المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية. وهذا ما دعمته نتائج اختبارات الأوضاع الضاغطة الجزئية والكلية التي تم تحليل نتائجها بشكل مفصل في التقرير، وكذلك مؤشرات الاستقرار المالي الإفرادية في الدول العربية التي بيّنت أن القطاع المصرفي والمالي بشكل عام في الدول العربية سليم ومتين ومستقر بدرجة كبيرة. كذلك ارتفع مؤشر الاستقرار المالي التجميعي الذي يتم احتسابه من قبل صندوق النقد العربي بالتعاون مع فريق عمل الاستقرار المالي، ليصل إلى 0.526 نقطة في نهاية عام 2021 مقابل 0.487 نقطة في نهاية عام 2020، بسبب تحسن المؤشرات المالية والاقتصادية نتيجةً للجهود التي بذلتها الدول العربية للحد من تداعيات جائحة كورونا، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على الاستقرار المالي.
فيما يخص تطورات القطاع المالي غير المصرفي في الدول العربية والمخاطر المحتملة. أكد التقرير في هذا الصدد، على أهمية تنظيم كافة مؤسسات القطاع خصوصاً شركات التمويل وإيجاد تعريف واضح له وتوفير أكبر قدر ممكن من البيانات والمعلومات عنه، للوقوف على مخاطره وتحدياته بشكل أدق. كما دعا التقرير إلى متابعة جهود تطوير المؤسسات والأدوات المالية غير المصرفية في الدول العربية، بالنظر للضعف النسبي لمساهمة القطاع المالي غير المصرفي في تمويل الاقتصادات العربية.
بمناسبة إصدار تقرير الاستقرار المالي في الدول العربية لعام 2022، أعرب معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي عن سروره بإنجاز الإصدار الخامس من تقرير الاستقرار المالي العربي، الذي يتضمن مواضيع وقضايا تهم السلطات الإشرافية العربية لتعزيز الاستقرار المالي والحد من تراكم المخاطر النظامية في القطاع المالي بشكل عام والمصرفي بشكل خاص، بما يعزز من دور القطاع المالي في تحقيق التنمية المستدامة. نوّه معاليه، باهتمام ودعم محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، لفريق عمل الاستقرار المالي، مؤكداً على أهمية مواصلة الجهود لتطوير الإصدارات المقبلة للتقرير ليُواكب المستجدات والتطورات المتعلقة بقضايا الاستقرار المالي، بما يقدم صورة واضحة عن وضعية الاستقرار المالي في الدول العربية، والمحددات والتحديات التي تواجهها في سياق جهود السلطات الإشرافية لتحقيق الاستقرار المالي، ليساهم في دعم اتخاذ القرارات الاحترازية التي تسهم في سلامة ومنعة القطاع المالي والمصرفي العربي.