رقمنة التحصيل الضريبي ساهمت في عدد من الدول العربية في توسيع قاعدة المُكلفين وزيادة مستويات الامتثال ومحاربة التهرب الضريبي ودمج القطاع غير الرسمي في المنظومة الضريبية
استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة في تحليل الأداء الضريبي أدى إلى زيادة حصيلة
بعض الأوعية الضريبية بنسبة 14 في المائة
أثرت التحولات الرقمية غير المسبوقة التي يشهدها العالم على كافة مناحي الحياة، حيث أسفرت عن تحقيق مكاسب كبيرة على صعيد الإنتاجية والتنافسية. كما انعكست كذلك على آليات عمل وأداء السياسات الاقتصادية الكلية ومن بينها المالية العامة. امتداداً لهذه التحولات الرقمية، اتجهت العديد من الحكومات إلى رقمنة المالية العامة بهدف تطوير آليات أكثر كفاءة لجمع الإيرادات العامة وإنفاقها، واستطاعت بذلك أن تحقق وفورات مالية كبيرة بما يُحقق أهداف السياسة المالية.
رغم أهمية الضرائب كأحد أبرز أدوات السياسة الاقتصادية الكلية، تشير الإحصاءات إلى ضعف الإيرادات الضريبية على مستوى الدول العربية كمجموعة، حيث لم تتعد نسبة الإيرادات الضريبية 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 حسب بيانات صندوق النقد العربي، مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 15 في المائة وفق بيانات البنك الدولي. يُعزى ضعف الإيرادات الضريبية في جانب منه إلى انخفاض كفاءة التحصيل الضريبي التي سجلت مستويات متواضعة نسبياً تبلغ في المتوسط 54 في المائة على مستوى الدول العربية، بما يعكس عدد من العوامل تتعلق بمحدودية القاعدة الضريبية، وضعف كفاءة الجهاز الضريبي.
تلعب رقمنة التحصيل الضريبي دوراً مهماً على صعيد توسيع القاعدة الضريبية، ومحاربة التهرب الضريبي، وزيادة كفاءة الأداء الضريبي من خلال التحول للنظم الإلكترونية للامتثال والتحصيل، التي أصبحت تُمكن الحكومات من جمع معلومات دقيقة وفورية حول مدفوعات الرواتب، وأرباح الشركات، وحركة مبيعات السلع والخدمات بما يوفر صورة كاملة عن الاستحقاقات الضريبية وتوقعات دقيقة لمستوي الإيرادات الضريبية، بل والتحصيل الآني للضرائب إلكترونياً في بعض الدول.
بناءً على ما سبق، تأتي هذه الدراسة في إطار اهتمام صندوق النقد العربي بدور التحول الرقمي في زيادة مستويات كفاءة السياسة المالية، وتستند إلى نتائج استبيان تم استيفاؤه من قبل وزارات المالية في عدد من الدول العربية بما يُمكن من التعرف على جوانب ومقومات نجاح رقمنة التحصيل الضريبي في هذه الدول، والمكاسب الاقتصادية جراء هذا التحول. أشارت الدراسة إلى إحراز عدد من الدول العربية تقدماً جيداً في إطار رقمنة التحصيل الضريبي على عدة أصعدة خلال السنوات السابقة، لاسيما الدول العربية ذات الاقتصادات المتنوعة قديمة العهد بالنظم الضريبية، فيما تسعى الدول العربية النفطية إلى تبني هذه النظم في إطار إصلاحات تنويع الإيرادات العامة التي نفذتها في أعقاب التراجع المسجل في الأسعار العالمية للنفط في عام 2014، وشرعت بمقتضاها في فرض الضرائب لاسيما ضريبة القيمة المضافة.
في هذا السياق، عملت الدول العربية على تنفيذ عدد من الإجراءات والخطوات الاستباقية التي من شأنها التمهيد لرقمنة التحصيل الضريبي، بما يشمل وضع الإطار القانوني الداعم للتحول من التحصيل المادي للتحصيل الإلكتروني، وإعادة هندسة الإجراءات الخاصة بكل عملية من عمليات التحصيل الضريبي بما يسمح بدعم التحول للتحصيل الرقمي وبما يستهدف تحقيق هدفاً أساسياً يتمثل في تبسيط الإجراءات وزيادة مستويات كفاءة التحصيل الضريبي، إضافة إلى تبني نظم للتسجيل الضريبي للمكلفين ضريبياً والفوترة الإلكترونية وتوفير المنصات الالكترونية الضرورية لتلقي ومعالجة التصاريح والأداءات الإلكترونية.
تقوم أنظمة التحصيل الضريبي الإلكتروني على الحفظ الآمن للبيانات وضمان سرية المعلومات والنسخ الاحتياطي للبيانات وتأمين صلاحيات النفاذ إلى الانظمة ذات الصلة من داخل وخارج الجهات المعنية بالتحصيل الضريبي الإلكتروني والقيام بالاختبارات اللازمة للاسترداد الدوري للبيانات، إضافة إلى تبني آليات للتحديث الدوري للبيانات الخاصة بالمكلفين ضريبياً.
ساهمت رقمنة التحصيل الضريبي في تحقيق العديد من المكاسب بما يشمل توسيع القاعدة الضريبية، ودمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية للاقتصاد، وتسهيل وتبسيط إجراءات التحصيل الضريبي بما يقلل من العبء على مؤسسات الأعمال ويدعم إنتاجيتها. من جانب آخر، مكّن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة من تحليل البيانات ذات الصلة بالأداء الضريبي بما ساعد على زيادة مستويات الامتثال ومحاربة التهرب الضريبي، وزيادة الحصيلة الضريبية لبعض الأوعية الضريبية بنسبة تقدر بنحو 14 في المائة في بعض الدول العربية.
استناداً إلى تجارب الدول العربية، يمكن استخلاص بعض التوصيات على صعيد عمليات صنع السياسات على النحو التالي:
- أهمية تبني نهج متكامل وتدريجي لرقمنة نظم التحصيل الضريبي بناءً على دراسة الفجوات الضريبية القائمة والتحليل الدقيق لفجوات الامتثال.
- أهمية التكامل ما بين الأنظمة الضريبية الرقمية وباقي الأنظمة الرقمية على مستوى الدولة ومن أهمها أنظمة الجمارك وأنظمة الهويات الرقمية، والدفع الإلكتروني.
- ضرورة إشراك كافة الجهات المعنية في مرحلة التخطيط والتنفيذ لرقمنة التحصيل الضريبي ووجود شراكات ناجحة مع شركات التقنية والقطاع المالي لوضع تصور واضح وقابل للتطبيق لرقمنة هذه النظم.
- أهمية التقييم الدوري لأداء نظم التحصيل الإلكتروني بهدف اكتشاف الثغرات ومعالجة التحديات القائمة استناداً إلى آلية واضحة لقياس رضا العملاء.
- تبني نظم الفوترة الإلكترونية كأحد الآليات التي من شأنها مساندة جهود السلطات الضريبية لتوسيع القاعدة الضريبية ودمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية بشكل تدريجي.
- التركيز على تطوير البنية التقنية الداعمة للتحول الرقمي لنظم التحصيل الضريبي من خلال تطوير ورقمنة أنظمة المدفوعات الوطنية، وكذلك التحول نحو نظم الهوية الرقمية للأفراد والشركات.
- تطوير وبناء قدرات العاملين في مجال التحصيل الضريبي للاستفادة من تقنيات الثورة الصناعية الرابعة ومن أهمها تقنيات البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي، لزيادة مستويات التحصيل والامتثال الضريبي.
- توفير الموارد اللازمة للتطوير المستمر لنظم رقمنة التحصيل الضريبي بالاستفادة من الوفورات المالية المتحققة جراء هذا التحول لضمان مواكبتها المستمرة لأحدث التقنيات.
- ضمان أعلى مستويات من أمن الفضاء الإلكتروني وحماية البيانات الخاصة بنظم التحصيل الضريبي الإلكتروني بما يساهم في زيادة موثوقية هذه النظم وضمان أكبر قدر ممكن من التفاعل والالتزام الضريبي.
النسخة الكاملة من الدراسة متاحة على هذا الرابط